د. محمد عبدالله العوين
القادة العظام هم أولئك الذين يغيّرون وجه الحياة إلى الأفضل، هم الذين يقودون شعوبهم إلى التعالي على أسباب القعود والتخلّف وينطلقون بها إلى المستقبل متسامين محلّقين نحو الغد المبهج البهي مترفعين عن الاستماع إلى صيحات اليأس ودعوات الرفض وفوبيا التوجس من المختلف وغير المألوف؛ يخرجون بمجتمعاتهم من الارتهان إلى أسر «العادة» إلى فضاء المستقبل الرحب.
هكذا هم العظماء الذين يبنون أمجاد شعوبهم، يمتلكون صفات القيادة والسياسة والريادة، لا يعيشون اللحظة الغائمة الحائرة القلقة الجافة؛ بل ينظرون إلى الغد المطمئن الواثق المورق المثمر.
لولا قرارات ملكية قيادية مستشرفة مهمة فاصلة في تاريخ نهضتنا السعودية لما تغيّرنا!
لو لم يعقد العزم متكلاً على الله «عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود» -رحمه الله-؛ ذلك الشاب الفتي الذكي العبقري الشجاع الموهوب ويقدم على تحقيق هدف سام كبير وهو استعادة بناء الدولة السعودية من جديد عام 1319هـ لما كانت لنا دولة ولا كيان ولا وجود ولا نهضة ولا رخاء ولا تأثير .
ولو لم يتخذ قرار التحديث مبكراً بعد التأسيس مباشرة ليضرب بعزيمته صخور التحدي الاجتماعية والاقتصادية ويفتت خطوة خطوة أسباب العزلة عن العالم لما تقدّمنا .
كان قراره المبكر بمنحه الفضاء المناسب للتعبير عن الرأي من خلال الصحف كأم القرى 1343هـ وصوت الحجاز 1350هـ بما يهيئ الأذهان لقبول التحديث دفعة قوية نحو الحياة الجديدة في سلسلة من قرارات التغيير والتنوير الهادئة كافتتاحه المعهد العلمي السعودي بمكة 1346هـ ثم دار التوحيد بالطائف 1356هـ ثم معهد الرياض العلمي وكلية الشريعة بمكة 1369هـ.
وعلى الرغم من أن التعليم في تلك المؤسسات كان يعنى في مجمله بالعلوم الشرعية واللغوية لحاجة البلاد إلى متخصصين فيها إلا أنها بلا شك كانت منارات تثقيف ووعي ومراكز تربية وتنشئة لأجيال بنت وأعطت وخدمت البلاد في شؤون القضاء والإدارة والتعليم منسجماً ذلك مع التطوير الهادئ والتحديث التدريجي للتعليم الذي تحقق بصورة جلى في مناهج التعليم العام في المراحل التالية من تاريخنا الحديث انطلاقاً من تأسيس جامعة الملك سعود 1377هـ وإلى اليوم الذي تنتشر في أرجاء بلادنا ثمان وعشرون جامعة حكومية وثمان جامعات أهلية وعشرات الكليات الخاصة، إضافة إلى ما يقرب من مائتي ألف طالب وطالبة مبتعثين إلى أفضل جامعات العالم.
لو لم يسع إلى البحث عن مصدر غنى وثروة يعتمد عليه للبناء والتطوير ويأذن للخبير الأمريكي الجيولوجي «ماكس ستاينكي» بالبحث عن البترول واستكشافه لما تفجّر الخير في بلادنا باكتشاف ستاينكي «بئر الدمام 7 « أحد أكبر آبار النفط في العالم عام 1358هـ/ 1938م.
ولو لم يتخذ قراره بابتعاث أول دفعة إلى مصر 1346هـ ثم إلى لندن 1348هـ لدراسة شبكات الاتصال، ثم إلى إيطاليا لتعلم الطيران 1355هـ، ثم إلى سويسرا 1355هـ أيضاً لتعلّم الحقوق؛ لما انفتح هذا الباب المهم من أبواب بناء النهضة الحديثة .
ولو لم يتخذ قراره بانطلاق أول بث إذاعي في جدة 1368هـ لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تقدم في مجال الإذاعة .
ولم لم يتخذ الملك سعود قراره الشجاع بتعليم المرأة 1379هـ لما وصلت أخواتنا وبناتنا إلى ما وصلن إليه من تأثير في نهضة وطننا في مجالات التعليم والطب والإدارة والإعلام والتجارة والوعي العام .
ولو لم يتخذ الملك فيصل قراره بانطلاق أول بث للتلفزيون 1385هـ لما توسعنا في مجال البث التلفزيوني.
ولو لم يصدر الملك فهد الأوامر الملكية الثلاثة بنظام الحكم ومجلس الشورى والمناطق 1412هـ لما تحدد مفهوم الدستور الوطني ولما بدأ مجلس الشورى في انطلاقته المتجددة عام 1414هـ .
ولو لم يتخذ الملك عبد الله قراره بإدخال المرأة عضواً في المجلس 1434هـ لما رأيناها الآن فيه منافحة مدافعة عن قضايا الوطن .
ولو لم يتخذ الملك سلمان قراره الشجاع بالسماح للمرأة بقيادة السيارة 1439هـ لما خرجنا من تاريخ طويل من الجدل العقيم والرؤية القاصرة عن استيعاب ضرورات العصر.
القيادة الواعية تنظر دائماً إلى الغد البعيد.