«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
التقيته في (كافتيريا) في لندن قبل سنوات؛ إذ كنت أتردد على هذه الكافتيريا لتناول طعام الإفطار وقهوة الصباح، وخصوصًا أنها على بعد خطوات من الشقة التي أقيم فيها خلال أيام إجازتي. كان رجلاً قد تجاوز عقده السادس، وواضح من ملامحه أنه ينتمي إلى إحدى دول الشمال الأوروبي. وعندما جلست بجانبه تقريبًا، وبجوار النافذة الواسعة التي تطل مباشرة على الشارع، وعلى بعد خطوات من متحف (ناشوونال غاليري) الشهير، وكان معي ساعتها صحيفة سعودية دولية، اشتريتها من مركز تموين قريب جدًّا من الكافتيريا، حياني في مرح وبشر بلغة إنجليزية ليست أحسن من حديثي بها، ثم قال: إنك جديد في هذه المنطقة؟! أليس كذلك؟ فقلت له: نعم. وذكرت له أنني أزور لندن أيامًا عدة، وأسكن مع أحد معارفي الذي يدرس هنا في العاصمة. نظر إلى الصحيفة التي وضعتها إلى جانبي على الطاولة من فوق نظارته, ثم قال: هل أنت عربي؟ فأجبته: نعم. واستطرد قائلاً: ليتني أعرف العربية. لقد قرأت عنها أنها غنية وثرية، ولقد امتدحها كاتبنا الكبير (ليو تولستوي)، الذي ألَّف كتابًا كبيرًا ومهمًّا عن (الرسول محمد). فرددت عليه قائلاً: نحن المسلمين نردد هذه العبارة المهمة، وهي (صلى الله عليه وسلم). ورحت أشرح له ماذا تعني بقدراتي اللغوية، ولكنه قاطعني مشيرًا بعدما عرفني باسمه، وأنه يدعى «ايغور»، إلى أنه من سكان بطرسبرغ، وأن روسيا وشعبها يحترمون الإسلام والمسلمين، وعلى الأخص في السنوات الأخيرة مع الانفتاح والتغيير الذي حدث. لكن الكتّاب والأدباء الكبار أمثال (تولستوي، ودستوفسكي. وتشيخوف) وغيرهم يقدرون الرسالة العظيمة لهذا النبي العظيم، وعلى الأخص ما كتبه (تولستوي) عنه، وعن شخصيته العظيمة منذ حمل رسالة الله إلى البشرية. قلت له: يا سيد ايغور، كلما كان الأديب واعيًا وحصيفًا وحكيمًا دائمًا يقوده ذلك إلى طريق الحق والحقيقة معًا؛ فلا عجب أن يكتب عملاق شهير ومقروء حتى اليوم ما كتبه عن رسولنا العظيم - صلى الله عليه وسلم -. إنه قال الحقيقة وما شعر به من خلال اطلاعه وسبر غور سيرته ناصعة البياض؛ وبالتالي كان منصفًا وصادقًا، وعرف قيمة وقدر الإسلام والرسالة العظيمة التي جاء بها. عندها تناولتُ هاتفي الذكي، ورحت أبحث عما قاله العملاق وأشهر روائي في العالم (ليو تولستوي)، وذلك فيما جاء في كتابه الكبير (حكم النبي محمد)، وهو كبير ومهمّ مثل مؤلفه؛ فلقد قال في وصفه في كتابه: «هو مؤسس دي، ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان (الكلام عام 1912م). قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء؛ فأنار أبصارهم بنور الإيمان، وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله» أ.هـ. كان الروسي ايغور يستمع لي مندهشًا وأنا أقرأ عليه ذلك من أحد المواقع الشهيرة. ويبدو أنه لاحظ سعادتي وأنا فخور بما كتبه تولستوي عن نبينا الكريم؛ فابتسم وقال: «هل قرأت جميع كتبه؟». فقلت: «بعضها كالحرب والسلام. وأنا كارنينا، وحاجي محمد..». وفجأة، ونحن نواصل تبادل الحديث، حدث أن استدار ناظرًا من النافذة، ولوح بيده في مودة إلى أحدهم، ثم قال: «اسمح لي؛ إنني على موعد معه لزيارة المتحف المجاور». فودعته شاكرًا.