يوسف المحيميد
منذ أن صدر المرسوم الملكي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية، والضجيج لم يهدأ أبداً، سواء ممن فرحوا وابتهجوا به، أو ممن دعوا بالويل والثبور، ولكن ما يلفت انتباه المتابع هو هذا التشفي الغريب الذي يفعله المبتهجون، صحيح أنه يحق لنا أن نبتهج ونحتفل بهذا الأمر التاريخي، لكن ليس بالشتم والسخرية ممن كانوا يرفضون ذلك، لأنهم مع الوقت سيدركون بأنفسهم أن تفكيرهم كان مخطئا، بل سيرون ذلك اجتهادا في مرحلة ما، لأنهم سيستفيدون من هذا الأمر، ويكتشفون كم نحن بسطاء حينما نسلم أطفالنا ومحارمنا إلى غرباء لا نعرفهم، ولا يربط بيننا وبينهم سوى بطاقة إقامة، وثقة بالله سبحانه بأن يحفظ عائلاتنا، خاصة مع تراجع سلطات الآباء والإخوة أمام سطوة بعض السائقين ممن يرفض ويطالب ويهدد بترك العمل، لأنه يعرف قيمته وتأثيره على العائلة التي تضطر البعض إلى مهادنته كثيرًا، كل ذلك الواقع سيختفي خلال سنوات، وسيصبح ماضيا لا قيمة له.
أتساءل، لماذا يحاول البعض تقسيم المجتمع إلى خندقين أو أكثر؟ لماذا يحارب كل طرف الآخر، ويكيل له الاتهامات، ويسعى إلى تخوينه، والتشكيك في وطنيته؟ لماذا يكثر المتاجرون من كل الأطراف عند كل موضوع أو موقف؟ من هؤلاء الحرافيش الذين ظهروا فجأة في مواقع التواصل الاجتماعي؟ كيف جعلونا نتحول إلى جماهير كرة قدم، وغرسوا الغوغائية بيننا، حتى أصبح الأكثر بذاءة وإيذاء هو الأكثر متابعة من الناس، كأننا نبحث عن السوء والشتيمة، بل نبحث عمن يتطرف فيها، ويمعن في قتل الآخرين بالكلمات غير المسؤولة.
إن هذا الحدث التاريخي كشف الغطاء عن شريحة كبيرة من الناس، فمن يطالب بالانفتاح والتحول إلى مجتمع طبيعي يتشفى بمن عارض ذلك في البدايات، ويلتقط تغريدات قديمة لهم، فيسخر منها، ومن يرفض ذلك أصبح يبكي على المجتمع ويحرض ويهدد بالفوضى، وأصبح الرجال يسخرون من النساء ويتداولون النكات حول قيادتهن السيارة، والنساء يسخرن من الرجال وانكسارهم، خاصة أن المرأة لا تحتاج إلى موافقة الرجل على قيادتها للسيارة، وهكذا انقلب المجتمع السعودي إلى مجتمع ساخر أحيانا، حاقد أحيانا أخرى، يتصيد السقطات، ويملأ العالم ضجيجا، ولم يعد ذاك المجتمع المتسامح، المنفتح على الرأي الآخر، الذي نتمنى أن يكون عليه... فهل هي حالة عابرة؟ أم أن المجتمع محتقن ويحتاج إلى تفريغ ذلك؟ أم أن هذا يعد حراكا في أي مجتمع طبيعي؟