خالد بن حمد المالك
أهمية روسيا أنها بقيت دولة عظمى بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حتى بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، واستقلال عدد من الدول التي كانت جزءًا من الإمبراطورية السوفييتية؛ إذ إنها احتفظت بموقعها في موازين القوى العظمى؛ بما يجعل من زيارة الملك سلمان لها، واجتماعه برئيسها، وإبرام عدد من الاتفاقيات، مؤشرًا على أن هناك تحولاً كبيرًا في العلاقات الثنائية بين الدولتَيْن.
* *
لقد أرسى الملك سلمان بزيارته التاريخية لموسكو قواعد لشراكات بين الرياض وموسكو، ليس في مجال الاستثمار والاقتصاد والسياسة النفطية فقط، وإنما إلى جانب ذلك الدخول في تعاون عسكري، يمكن فهم أبعاده على أن خريطة الطريق لبناء العلاقات الثنائية التي تم الاتفاق عليها بين سلمان وبوتين لا تستثني شيئًا مما يمكن وصفه بالتعاون بين الدولتين، وأن مثل هذا الاتفاق إنما يؤذن بمرحلة جديدة ومتطورة ومهمة في خطوط هذه العلاقة التي أرسى قواعدها قيادتا المملكة وروسيا.
* *
وإن ارتباط هذه الصورة المثيرة للانتباه للعلاقات السعودية - الروسية بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان هو من باب إعطاء التاريخ حقه؛ ليقول كلمته، وليسجل أن الملك سلمان بحكمته ودرايته بخفايا الدبلوماسية والسياسة قد توج هذه العلاقة بما تم في الزيارة من إنجازات، برفع سقف العلاقة بين بلدَيْنا إلى مستويات غير مسبوقة في كل المراحل التي مرت بها، خاصة أن هناك تحولات في المنطقة وفي العالم؛ تتطلب ظهور صيغ من التعاون على شكل ما تم في زيارة الملك سلمان لروسيا الاتحادية.
* *
لقد جاءت زيارة الملك سلمان إلى روسيا لتعطي في المقام الأول إشارات عن تغيُّر جذري في العلاقات الثنائية؛ بدليل هذه الاتفاقيات التي تم إبرامها بين الجانبَيْن، ومظاهر الحفاوة التي استُقبل بها الملك سلمان. ولا يعني ذلك أن الموقف السعودي - الروسي متماثلٌ في كل شيء، بل تظل المملكة لها سياساتها التي ليس بالضرورة أن تكون متطابقة مع السياسة الروسية، والعكس صحيح، لكن اختلاف وجهات النظر في قضايا جانبية لا يلغي مبدأ التعاون بين الدولتين، ولا يهمِّش الآراء التي تنظر لها كل دولة من زاوية مصلحتها. على أنه يجب التأكيد أن ما تم في الزيارة كان كبيرًا ومهمًّا وعظيمًا.
* *
لقد كان أمرًا مثيرًا أن نرى الدوائر الروسية، وفي كل الاتجاهات، تتفق على أهمية الزيارة الملكية، وتشيد بما تخللها من إنجازات، وتتحدث عنها بما لا يمكن فهمه إلا أن الروس أصبحوا حريصين على الإسراع في تطوُّر العلاقات مع المملكة، وأن يكون هذا بشكل متكافئ، وبما يخدم مصالح الجانبَين. وكلها مواقف أملتها الاستنتاجات والقراءات والتحليلات التي ربما قام بها الخبراء في كل من روسيا والمملكة، وأسفر عنها هذه النتائج التي أُعلن عنها خلال زيارة الملك سلمان لروسيا الاتحادية بعد أن أزيلت كل العوائق التي كانت تحول دون تحقيق ذلك.
* *
كان اليوم الأول في زيارة الملك لروسيا حافلاً بالنشاطات والفعاليات واللقاءات، وتم ترجمة الزيارة إلى مجموعة من الاتفاقيات والمنتديات الاستثمارية والثقافية، وكذلك المباحثات، سواء على مستوى القمة، أو على مستوى الوزراء من الجانبَيْن؛ ما يشجعنا على القول بأن الزيارة التي تختتم غدًا قد حققت الأهداف المرسومة لها، وأن الملك والرئيس وضعا أسسًا جديدة للعلاقات التي كانت تحتاج إلى تأصيلها، وفتح آفاق ضرورية لها؛ لكي تتجاوز سلبيات الماضي، وتبدأ عهدًا جديدًا من التعاون المثمر، والشراكات الفعلية، والتقارب في وجهات النظر سياسيًّا واقتصاديًّا.
- يتبع -