محمد آل الشيخ
المملكة الجديدة، أو بلغة أدق (مملكة سلمان) هي الأقرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلى مملكة المؤسس العظيم الملك عبدالعزير -طيب الله ثراه- فقد كان -رحمه الله- صارمًا في تعامله مع المتمردين، هيبة الدولة أولوية لا تضاهيها أولوية لديه، فإذا واجه تمردًا ما، يبدأ بالتسامح والحوار، فإذا وجد ألا خيار إلا الضرب بيد من حديد، فإنه لا يتردد في استخدام القوة فإذا هي القاضية.
يقول تاريخ المؤسس: اعترض المتشددون المتزمتون على كثير من مستجدات التقنية الحديثة التي كانت جديدة على أولئك البسطاء، فاعترضوا عليها، كما أن رؤاهم الثقافية والمجتمعية، فضلاً عن أفقهم السياسي، كان غاية في الضيق والمحدودية، فتعامل الملك عبدالعزيز معهم بالحسنى أولاً والحوار، ثم فرض (الحداثة) رغماً عن أنوفهم، وأذعنوا مرغمين في النهاية، وتعايشوا مع هذه المستجدات وذهبت اعتراضاتهم أدراج الرياح.
يذكر «حافظ وهبة» في كتابه (جزيرة العرب في القرن العشرين)، وكان حينها المسؤول عن تأسيس التعليم النظامي، أن بعضاً من طلبة العلم اعترضوا على التعليم المنهجي النظامي وبعض المقررات الدراسية فيه، من منطلق أن تعليماً كهذا ليس على طريقة السلف الصالح ويختلف مع موروثاتهم العلمية -طريقة الكتاتيب في المساجد- يقول حافظ وهبة: (في أوائل شهر يونيو سنة 1347- 1927 قامت ضجة بين علماء الدين النجديين، واجتمعوا في مكة؛ وبعد التشاور فيما بينهم وضعوا قراراً يحتجون فيه على إدارة المعارف في مكة، لأنها قررت في برنامج التعليم أولاً تعليم الرسم، وثانياً تعليم اللغة الأجنبية، وثالثاً تعليم الجغرافيا التي منها دوران الأرض وكرويتها.
ولما كان لي شيء من الأشراف على إدارة المعارف، فقد تذاكرت مع جلالة الملك في الموضوع، فرأى من الحكمة أن أجتمع بكبار المشايخ وأبحث معهم الموضوع، فاجتمعت معهم ودار الحديث على الصورة الآتية:
حافظ: لقد أمرني جلالة الملك أن أحضر عندكم لأشرح لكم حقيقة المسائل التي رأيتم إلغاءها من برنامج التعليم، إنكم تعلمون مبلغ حبي لكم لأنكم من أنصار السنة، الآخذين بالاجتهاد، الرادين كل قول يخالف القرآن والسنة الصريحة، ولقد مضى الزمن الذي كان قول العالم مهماً كان حجة، ولا أعتقد أنكم تريدون منا أن نقبل كل ما تقررون بدون مناقشة؛ فإن ذلك لا يتفق مع الروح التي تدعون إليها، ولا معنى لأن نعيب على الناس اتباعهم لعلمائهم من غير حجة أو دليل، وهنا نسير على نفس النسق.
أحد المشايخ: إن ما قلته حق وصحيح، ولكن لقد بيّنا للإمام عبدالعزيز الأدلة والمفاسد التي تترتب على تقرير هذه العلوم. أما الرسم فهو التصوير وهو محرم قطعاً. وأما اللغات فإنها ذريعة للوقوف على عقائد الكفار وعلومهم الفاسدة، وفي ذلك ما فيه من الخطر على عقائدنا وعلى أخلاق أبنائنا، وأما الجغرافيا ففيها كروية الأرض ودورانها، والكلام عن النجوم والكواكب مما أخذ به علماء اليونان وأنكره علماء السلف.
حافظ: أما الرسم فليس من التصوير لأن المقرر في المدارس الرسم أي التخطيط، وهي معلومات أولية الغرض منها تعليم الأولاد الدقة ومعرفة المسافات على الخرائط ومواقع البلدان، وهذا أمر لا شيء فيه، وقد اشتغل به كثير من علماء السلف ولم يبلغ الأولاد درجة تمكنهم من التصوير؛ لأن علم التصوير هو من العلوم العالية التي تحتاج ممارستها إلى وقت طويل ودراسة واسعة. أما اللغات الأجنبية فقد كان كثير من الصحابة يعرفون لغات عصرهم، ونحن في هذا العصر أجبرتنا الحياة على مخالطة الأجانب، فبدلاً من أن نتخذ لنا مترجمين لا نثق بهم نعتمد على أولادنا ونعلمهم اللغات، أما علوم الإفرنج: فمنها ما هو صالح يصح أن نأخذ به ونتعلمه، ومنها ما لا يتفق مع ما نعتقد فنرفضه، وعلوم الإفرنج التي تقولون عنها قد تُرجم كثير منها إلى اللغة العربية. وإن الخوف على العقيدة الإسلامية هو رمي لها بالضعف، لأن العقائد يجب أن تكون كالبنيان المتين لا تقوى عاديات الزمن على زلزلتها، ونحن نعتقد أن العقيدة الإسلامية الصحيحة إذا امتزجت بالدم وتملكت مشاعر النفس، فلن يقوى أي شيء على زعزعتها. (يتبع في مقال الثلاثاء المقبل).
إلى اللقاء.