ياسر صالح البهيجان
يبذل الدارسون جهدًا مضنيًا لنيل الدرجات العلمية العليا، ويستهلك ذلك وقتًا طويلاً وعسيرًا من البحث والممارسة والتجربة، سعيًا لتولي مناصب قياديّة لخدمة الوطن والمجتمع، إلا أن ثمة أشخاص اتجهوا إلى التحايل والمخادعة للظهور بوصفهم مؤهلين علميًا عبر شهادات وهمية، وكان لهم أثر سلبي بارز وتحديدًا في القطاعين التعليمي والصحي.
من يحملون الشهادات الوهمية يتكاثرون داخل جسد المجتمع. تواجدهم في القطاع الصحي أنتج آلاف الأخطاء الطبية التي تضرر منها مواطنون كثر، فضلاً عن سوء إدارتهم للمنشآت الصحية، وحصولهم على أجور مرتفعة دون وجه حق، وأيضًا في قطاع التعليم لهم انعكاس خطير في ضعف جودة المخرجات، ومنافستهم دون استحقاق للكفاءات الوطنية التي اجتهدت وثابرت من أجل الحصول على درجة علمية حقيقية.
وحتى في قطاع الهندسة والبناء، أمثال هؤلاء يهددون سلامة المباني المشيدة والبنى التحتية لوطننا، والأمر يطال سائر القطاعات، لذا لا مجال للصمت حيال انتشارهم، ولا يمكن الاستمرار في أنظمة اعتماد المؤهلات بصورتها الحالية، فمعظم حالات اكتشاف زيف الشهادات لا تأتي إلا متأخرة وبعد وقوع الكارثة واستشراء العبث، أي أننا مطالبون باتخاذ خطوات استباقية لضمان إيقاف المتلاعبين وحماية المجتمع من مخاطرهم.
هي دعوة لوزارة التعليم أن تدرس إنشاء اختبارات تقيس مدى أهلية حاملي الشهادات العليا قبل اعتماد مؤهلاتهم في المجالات الهامة والحساسة، وفرضها على الوافدين الذين لا يخضعون لرقابة وتدقيق يماثل ما يخضع له المواطن، كما أنها دعوة أيضًا لجميع الجهات الخدمية سواءً كانت حكومية أو أهلية لتقييم الموظفين الوافدين الذين يعملون في مجال الاستشارات أو الوظائف الإدارية العليا بشكل نصف سنوي على أقل تقدير، وأن يقيسون ما إذا كان حامل الشهادة حقًا يدرك ما يفرضه المؤهل من معلومات وخبرات أم أنه عالة على الجهة ومؤهله غير موثوق به، إضافة إلى مد جسور التواصل مع المؤسسات التعليمية في الخارج للاستعلام عمن يدعون انتسابهم إليها للتحقق من صدق حصولهم على المؤهل وما إذا كانت فعلاً سيرتهم الدراسية حسنة.
أصحاب المؤهلات الوهمية سرقوا فرصًا وظيفية ممن هم أكفأ منهم، وكلفوا خزينة الجهات الحكومية والأهلية مئات الملايين من الريالات وهم لا يستحقونها، وعاثوا فسادًا في العديد من القطاعات لجهلهم ومحدودية تعليمهم، ولابد أن تُدرك الجهات المعنية أن هؤلاء من أبرز معوقات التطور في مجتمعنا، وأن استمرارهم في ممارسة أعمالهم تهديد قد يقوض مساعي التنمية والازدهار، ولا مجال للتسامح ما دام وجودهم خطراً على الوطن والمواطن.