فهد بن جليد
التقاعس عن تقديم المساعدة (لرجل مُسن) سقط مغشيا عليه في مصرف ألماني، كلف ثلاثة أشخاص - كانوا حوله - غرامة مالية، عندما أدانتهم المحكمة الشهر الماضي بتجاهل المسن وعدم الاكتراث له، رغم أن كاميرات المراقبة أظهرت سقوطه بالقرب منهم. الأشخاص الثلاثة حاولوا الدفاع عن أنفسهم بأنَّهم كانوا يعتقدون بأنَّه مجرد مُشرَّد، فيما تقدم شخص آخر بشكوى للشرطة وفق القانون الألماني الذي يُعاقب من يتجاهل مساعدة المسنين، وفي القصة معلومة لنموذج قانوني يستحق التأمل.
الأمور في مُجتمعاتنا ما تزال مضبوطة غالباً بأخلاقيات الإسلام والعروبة والشهامة والمروءة، وشيء من الرحمة والرأفة والإحسان، ولكنها تبقى مسألة اختيارية تحكمها قناعات الأشخاص وأذواقهم وتربيتهم وأخلاقهم، عطفاً على مدى التزامهم بتعاليم الدين والأخلاق العربية والأسرية التي تدعو للرحمة والرأفة والإحسان لكبار السن وإكرامهم من حولنا، غياب نظام أو قانون مُلزم يحكم المسألة والعلاقة بين أفراد المجتمع والمسنين في الأماكن العامة - يُبقي المسألة عائمة - مع تسارع وتيرة الحياة العصرية، وتعاظم الأنانية فيها، مما يزيد من غربة ومُعاناة المسنين يوماً بعد آخر، ويتطلب إطلاق مُبادرات مُجتمعية للفت الانتباه لهم، و منحهم الاهتمام اللائق بمكانتهم خصوصاً في الأماكن العامة.
قبل نحو عامين فرحنا كثيراً بإطلاق مشروع (تمكين لكبار السن) في الجبيل، وهو مشروع سعودي إنساني الهدف منه دمج القادرين على العمل من هذه الفئة الغالية من المتقاعدين الذين تجاوزوا الستين من العمر، للتطوع في المؤسسات المجتمعية - بأجر مالي - للاستفادة من خبراتهم، وعدم تعطيلها، وحمايتهم من الفراغ القاتل، والملل الذي يزيد مرارة الأوجاع والأمراض والوهن لديهم عند الشعور بانتهاء دورهم في الحياة، لا أعرف مصير هذا المشروع الآن، ولا كيف يمكن تعميمه على المُسنين في باقي مناطق المملكة.
نحن بحاجة إلى زيادة المسارات الخاصة بالمسنين في بعض الجهات الخدمية (المطارات، البنوك، الدوائر الحكومية، المولات، المستشفيات..) وغيرها، و تفعيل هذه الخدمات بإعلان الضوابط اللازمة والحقوق الممنوحة لهم، وعدم ترك المسألة لتقدير العاملين والمتعاملين (الشخصي) بالشفقة. وهنا أقترح أن تقوم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بإصدار بطاقة للتعريف بالمسن عند بلوغه (سنا مُحددة) ليتمتع ببعض الحقوق المستحقة له في هذه الأماكن، وليعرف المجتمع عند تعليقها بأنَّه بحاجة للمُساعدة، مع ضرورة النظر إلى إيجاد آلية لمحاسبة من يتقاعس ويتخاذل ويعرضهم للخطر، ولو على الطريقة الألمانية أعلاه.
وعلى دوب الخير نلتقي.