د. محمد عبدالله العوين
حظيت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لموسكو باحتفاء كبير يليق بمقامه الكريم وبمكانة المملكة العربية السعودية إسلاميًا وعربيًا واقتصاديًا، ثم لأهمية الدور السعودي في حماية الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة العربية، مما يؤثر أيضًا على الأمن والسلم العالميين.
يعلم قادة الدول الكبرى وعلى الأخص بعد اندلاع شرارة التطرف والإرهاب واستخدامه سياسيًا من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية أن خطره لا يمكن أن ينحصر في المنطقة التي وُلِد فيها ورُبي واحتضن ثم استخدم أداة شريرة من أدوات الفوضى والتفتيت والتغيير الديموغرافي والسياسي، فهذا الميكروب الشرير يطير مع الهواء وينتقل إلى كل قارات الدنيا؛ لأنه قائم على الاعتقاد المشوه والتفكير المنحرف للمفهومات الدينية وللقيم وللأخلاق وللحضارات، فهو عدو للكل ولا حليف له إلا نفسه، ثم ينقسم على نفسه ويبدأ في تصفية خصومه من داخله، وهكذا اندلعت الحرائق في المنطقة العربية التي أريد لها أن تكون موضع الخراب والتدمير بإطلاق مخطط «الفوضى الخلاقة» التي خطط لها ومولها وأشرف على تكوين أدواتها، فالجميع يعلم كيف تآلف والتقى الأشرار على تكوين تيارات تخريبية تحت لافتات دينية مزيفة أعادت استنبات ما كاد يندثر من الفكر الخوارجي والشيعي الفارسي المتطرف، وهما فرقتان كان للفرس ولليهود في السنوات الأولى للخلافة الراشدة دور كبير وخطير في استغلال اختلاف الآراء لتكوين جبهات وفرق معارضة بهدف شق صف الأمة العربية الإسلامية التي كانت قد بدأت في تكوين دولة عظيمة تحمل رسالة أخلاقية نبيلة.
اشتغل الخمينيون الشعوبيون والصهاينة بالتنسيق مع تنظيم الحمدين ودعم من إدارة بوش الابن ثم أوباما خلال ثماني سنوات من ولايته على بناء أسس الفوضى في المنطقة، وحين ابتدأ التثوير الأحمق والتدمير الممنهج وسالت الدماء وزهقت الأرواح لم تتوقف النار المتقدة على دمشق وطرابلس وصنعاء وبغداد فحسب؛ بل تفجرت في موسكو ونيويورك وباريس ولندن وكان وبروكسل وميونيخ، ونجت من نار الإرهاب المخطط له طهران وقم وتل أبيب والدوحة!
كان الأشرار ينتظرون امتداد لهب الحرائق إلى بلادنا؛ ولكن الله هو الحافظ؛ فقد بذلت دولتنا - وفقها الله - جهودًا مضنية في السر وفي العلن وفعلت كل طاقات الوطن لمحاربة الفكر الإرهابي واجتثاث جذوره واقتلاع بيئته الحاضنة له وتطهير أرضنا من ضلالاته.
لقد آن الأوان أن يجتمع العقلاء والحكماء من قادة العالم على حماية دولهم وشعوبهم من داء وبيل زرعت ميكروباته زرعًا بقصد وترصد ليدمر وليكون وسيلة إعادة رسم جغرافيا المنطقة العربية؛ لكنه قد يكون سببًا أيضًا لاختلال جغرافيا وحدود العالم كله.
وقد كانت قضية الإرهاب على طاولة البحث والمناقشات بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس بوتين، ومن غير شك أن موسكو أنصتت بوعي كامل إلى رؤى الرياض واستوعبت تجربتها الناجحة في مكافحة الإرهاب على المستوى المحلي والدولي، ثم استمعت أيضًا باهتمام بالغ إلى موقف المملكة من الأزمات المشتعلة وضرورة إطفائها وتفكيك عقدها؛ لأنها بؤر صديدية مناسبة لتخليق الجماعات الإرهابية تحت لافتات خادعة مدعاة.
ألقى الاتحاد الروسي بثقله في سوريا مآزرًا لنظام بشار الأسد وأقام ثلاث قواعد عسكرية كبرى، وأسقط آلاف القنابل والبراميل المتفجرة على المدن والشعب السوري، وتم تغيير شبه كامل للأعراق وللطوائف بالتهجير أو بالقتل والتدمير والمجاعة؛ لكن إلى متى يمكن أن تستمر هذه المأساة؟ وما هي مطالب الروس في سوريا بغض النظر عن وجود بشار من عدمه؟!
ومما يحسن بالرئيس «بوتين» أن يدركه بوعي تام أن استمرار بركان الدم المتدفق في سوريا لن تنحصر نتائجه على الأرض السورية فحسب، وأن استقرار المنطقة يترتب عليه استقرار العالم.
ويغمرني تفاؤل كبير من نتائج الحوار المعمق بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والرئيس بوتين سنرى نتائجه - إن شاء الله - في القريب العاجل في القضية السورية واليمنية، وفي مجالات التعاون العسكري والاقتصادي بين المملكة وروسيا.