د. جاسر الحربش
من يتوقع عبور السنة الأولى من مشاركة المرأة بسيارتها في المرور بهدوء ومن دون انفلاتات غريزية، عليه أن يجلس ويفكر ويكون مستعداًً لبعض المفاجآت. فيما مضى كان البيت من الباب إلى غرف النوم من الأملاك الخاصة للرجل، تنساب الحركة النسوية بداخلها على هواه وتحت مراقبته. الحركة النسوية في الشارع بدون رقابة رجل، ولو على رصيف المنزل تعتبر معصية وشقاًً لعصى الطاعة، إلا أن يتم تسليم العهدة (المرأة) إلى رجل. فيما مضى وانتهى كان مستلم العهدة أحد الأبناء، ثم تحول التسليم والاستلام من رب المنزل إلى رجل أجنبي، بعد اقتناع صاحب الدار بأن هذا الأجنبي ناقص الرجولة. أصبح المواطن الرجل مطمئناً إلى هذا الحل لأن من بيدهم تبيان الحلال من الحرام أباحوه وطبقه أكثرهم على محارمه، وإذاًً فالمواطن ليس بأفضل منهم وهم القدوة الشرعية والاجتماعية.
كان موضوع التنازل الذكوري تجاه تعليم البنات أسهل، لأن البنت تذهب مخفورة وتعود مخفورة، تغادر المنزل في صندوق متحرك مغلق الأبواب ومظلل الشبابيك، لتدخل إلى مبنى نسائي بالكامل، لا يدخله رجل حتى لو شب فيه حريق كبير إلا بحضور وإذن من بيده الأمر والنهي، وكثيراًً ما كان ذلك يحصل بعد الفوات وحدوث الوفيات.
ثم كان من تصاريف الزمان وتبدل الأحوال أن المتطلبات الحديثة للحياة فرضت مصاريف إضافية، مستهلكات وجوالات ومتطلبات أثاث وموضة وعطور ورحلات سياحية. أمام هذه المستجدات ارتخت قبضة الرجل المتيبسة قليلاًً، وصارت المرأة تستطيع أن تساهم وأحياناًً يجب أن تساهم براتب العمل في الشركة والبنك والمستشفى والمستوصف. الشرط كان الفصل بين الجنسين في أماكن العمل، ما عدا أن الفصل بين المرأة العاملة وسائقها الأجنبي استمر التغاضي عنه.
الأمر هذه المرة مع مشاركة المرأة في المرور يختلف، فالمرأة عندما تتخلص أخيراً من حضور ومزاج ونزوات السائق الأجنبي وتستلم رخصة القيادة الخاصة لتشارك في الحركة المفتوحة في المرور العام، لن تكون مراقبة ولا مخفورة سوى بقناعاتها الدينية والتربوية والأخلاقية، بالإضافة إلى مروءة الرجال المتواجدين من حولها في الفضاء العام تحت الرقابة الاجتماعية المفتوحة.
الكابوس الذكوري في المرحلة المقبلة سوف يتمثل فقط في أن المرأة تكون غير مخفورة برجل، والباقي متروك لخيال الإنسان في المجتمع حسب تربيته وثقته بنفسه وأهله ومجتمعه. بالتأكيد الكوابيس سوف تكون هذه المرة حاضرة أكثر، ومخرجاتها قد تكون مزعجة جداً في بدايات المرحلة، لكن ليس من الأغلبية العاقلة الواثقة، وإنما من أقلية عصابية سيئة التربية والظنون كانت تدس رأسها في الرمل لئلا ترى وتستنتج ما كان يمكن حدوثه أيام الخلوة في خفارة سائق أجنبي لا هو من أهلها ولا مجتمعها، لأنه في الحقيقة مجرد رجل وهي مجرد أنثى يتشاركان في صندوق مغلق وزجاج مظلل.
أقول وأكرر للمسئولين الكبار ولعقلاء المجتمع، استعدوا منذ الآن للتعامل بحزم مع ما هو متوقع من أصحاب الرؤوس الممتلئة برهاب الكوابيس، ومن ملايين الأجانب العزاب الذين يتواجدون في كل مكان.