د. حمد بن عبدالله القميزي
لقد أثبت القرآن الكريم مبدأ حب المكان الذي يقيم فيه الإنسان ويتخذه محلاً وسكناً يقيم فيه، خلال معادلة بين الوطن والحياة في قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}. لذا اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل مسلم، ويؤكد ذلك التقدير والتعظيم حنين الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خرج من مكة المكرمة مكرهاً فقال بعد أن التفت إليها: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).
وحب الوطن فطرة رفع من شأنها الإسلام، ومبدأ لا ينكره عقل ولا يرفضه لبيب، إنه انتماء فريد وإحساس راقٍ وتضحية شريفة ووفاء كريم. له معانٍ سامية ومظاهر صادقة، إنه شعورٌ بالفخر والاعتزاز للانتماء إلى هذا الكيان الذي يعبر عن عقيدة الإنسان وقيمه، كيانٍ عاش فيه هو وأجداده وسيعيش فيه -بإذن الله- أبناؤه وأحفاده.
وفي كل عام يطل علينا ذكرى اليوم الوطني لتعيد إلى الأذهان الحدث التاريخي الذي حدث في الأول من الميزان عام 1352هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، وهو اليوم الذي وحد فيه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الكيان الغالي، واستطاع بفضل الله أن يقود بلاده وشعبه إلى الوحدة والتطور والازدهار متمسكاً بعقيدته ثابتاً على دينه.
وقد دأبت حكومة هذا الوطن الغالي منذ قيامه على نشر العلم والتعليم في أرجائه وبين أبنائه، وشيدت لذلك المدارس والمعاهد والجامعات ودور العلم. وخصت الدولة الجامعات السعودية بدعم سخي واعتمادات مالية ضخمة أحدثت نقلة نوعية وكمية في قطاع التعليم الجامعي، بلغ معه عدد الجامعات (38) جامعة، إلى جانب عشرات الكليات، تستوعب نحو (90 في المائة) من خريجي وخريجات المرحلة الثانوية، وأسندت مهام الجامعات القيادية للقيادات التربوية والإدارية الوطنية المتميزة، واستقطبت الجامعات الكوادر الأكاديمية والإدارية التي تسهم في تحقيق رسالة الجامعات وأهدافها.
والجامعات السعودية صروح وطنية، تسهم في تحقيق الرقي العلمي والتعليمي والمجتمعي، وتحقيق الانتماء والحب الصادق للوطن، والذي يعد ركيزة جوهرية حساسة، تعتمد عليه الدول في المحافظة على سيادتها الخارجية وأمنها الداخلي، وعلى مكتسباتها ومقدراتها، ورعاية ممتلكاتها ومواردها، وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها. وقد وضعت جامعاتنا السعودية قيمة الوطنية وحب الوطن ضمن خططها الاستراتيجية والتنفيذية، كما وضعته في برامجها الأكاديمية وأنشطتها العملية والتطبيقية والطلابية، ودأبت كلياتها وعماداتها وإداراتها على غرس الوطنية وتحقيق حب الوطن في نفوس طلابها وطالباتها.
حيث يتضمن عددًا من المقررات الدراسية في الجامعات تاريخ الدولة السعودية ومعاني الوطنية وجهود الحكومة في تحقيق هذه الإنجازات العالمية، كما تقيم جامعاتنا برامج ومسابقات وأنشطة طلابية متنوعة لتعريف الطلبة بمناسبة اليوم الوطني، وبطولات ذلك القائد الفذ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أسس هذه الدولة الرشيدة وأرسى دعائمها على الكتاب والسنة وثبت أمنها. وتشارك بطلبتها في المناسبات والأنشطة والأسابيع والمعارض واللقاءات الوطنية، كما تنمي الجامعات حب الوطن في نفوس الطلبة من خلال تنفيذ البرامج السياحية الداخلية، المتمثلة في الرحلات طلابية إلى مدن ومحافظات وربوع هذا الوطن الجميل، وتتضمن زيارات للمنشآت الوطنية والالتقاء بمسؤوليها، وتحقق من خلالها لحمة وطنية بين طلبة الجامعة مع بعضهم البعض ومع أبناء هذا الوطن.
كما تنمي جامعاتنا السعودية من خلال برامجها وسلوكيات منسوبيها الإدارية في نفوس الطلبة احترام أنظمة الدولة وقوانينها والعمل بها وعدم مخالفتها، لأنها صادرة من ولي الأمر الذي تجب طاعته امتثالاً لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، ومن ذلك تأكيد مسؤولي الجامعات أن أبوابهم مفتوحة لطلبة الجامعة، ويتفاعلون مع متطلباتهم والتغلب على المشكلات التي تواجههم، وسعيهم لتوفير جميع الخدمات الطلابية التي تسهم في رفع مستوى حب الطلبة لوطنهم وجامعتهم، وحرصهم على تحقيق مبدأ العدالة والشفافية في قبول الطلبة وتعليمهم والتعامل معهم، كما تحرص إدارة الجامعات على مشاركة نخبة من طلابها وطالباتها في اللجان الدائمة في الجامعة، مما يحقق مستوى أعلى من التواصل مع الطلبة.
وإدراكاً من الجامعات بدور العامل الفكري في تكوين السلوك الوطني، وأن حبه يقتضي سلامة الفكر، فإن جامعاتنا تسعى إلى تحقيق مفهوم الأمن الوطني من خلال برامجها وأنشطتها المتنوعة، كالدورات التدريبية والمحاضرات التوعوية والمعارض المتنوعة التي تعزز الأمن الفكري، وتستقطب عددًا من رجالات هذا الوطن للالتقاء بطلبة الجامعة.
وفي ضوء الرؤية الوطنية 2030 وبرنامج التحول الوطني يناط بالجامعات السعودية دوراً بارزاً في ترسيخ القيم الإيجابية لدى الشباب، والتي من أهمها «قيمة حب الوطن»، حيث نصت الرؤية على: «ترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات أبنائنا عن طريق تطوير المنظومة التعليمية والتربوية، وتوفير تعليم قادر على بناء الشخصية».
ولأن الوطن في عيون جامعاتنا فهي تسعى لتحقيق أهداف رؤيته الوطنية التي من أهدافها سد الفجوة بين التعليم ومتطلبات سوق العمل، من خلال توجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية باختيار التخصصات التي يحتاجها سوق العمل.
وانطلاقاً من دور الجامعات في البحث العلمي وبهذه المناسبة الوطنية فإنه يتأكد على الجامعات إجراء الدراسات العلمية للتعرف على مدى تحقيق الجامعات لأدوارها الوطنية، ومستوى المواطنة في نفوس طلابها وطالباتها، وكذلك بناء التصورات والبرامج المقترحة لتعزيز الوطنية لدى منسوبي الجامعات من أعضاء هيئة تدريس وموظفين وطلاب وطالبات، وأيضاً دراسات للتعرف على أثر المناسبات الوطنية في تعريف أبناء الوطن بوطنهم وتاريخه وإنجازاته.
أخيراً: أبشركم أن وطننا الغالي في عيون جامعاته، وأنها تشكل عمقاً رئيساً في تقدمه وازدهاره، وقد أخذت على عاتقها أن تغرس حب الوطن في نفوس طلبتها بشكل فاعل ومتواصل ومدروس، وأن تحقق الوطنية وحب الوطن والأمن الوطني، الذي يسعى له ولاة أمر هذه البلاد -حفظهم الله-، وجميع مسؤولي الدولة، ويطمح له كل مواطن ومقيم يعيش على ثراء هذه البلاد المباركة وتحت سمائها. دمت يا جامعاتنا في تطور وازدهار، ودام الوطن في عيونك.