فضل بن سعد البوعينين
جاء هدف توطين الصناعات العسكرية في مقدمة أهداف رؤية المملكة 2030؛ لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة الأول خلق قطاع صناعي وليد يسهم في تنويع مصادر الاقتصاد وخلق الفرص الوظيفية والاستثمارية الصغيرة والمتوسطة؛ والثاني الحد من الاعتماد على الخارج في تأمين جزء مهم من الاحتياجات العسكرية المصنفة ضمن الاحتياجات الإستراتيجية الضرورية؛ والثالث ضخ جزء مهم من إنفاق التسلح الضخم في الاقتصاد المحلي وبما يسهم في رفع النمو وحجم مشاركة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي.
تُعد المملكة من أكثر الدول إنفاقًا في المجال العسكري؛ مع قدرات تصنيعية محلية لا تتجاوز 2 في المائة من مجمل الإنفاق؛ ما يعني الاعتماد الكلي على الاستيراد الخارجي؛ على ما يعتريه من مخاطر أمنية إستراتيجية؛ وتبعات مالية مؤثرة؛ وحرمان الاقتصاد من الفرص الصناعية التي يمكن أن تنتج عن ذلك الإنفاق الضخم.
توطين ما نسبته 50 في المائة من الإنفاق العسكري بحلول 2030 ليس بالأمر الهين؛ ويحتاج إلى عمل منهجي وإستراتيجية محكمة تفضي إلى تحقيق الأهداف الطموحة. وللأمانة فقد انطلقت التحركات العملية لتحقيق ذلك الهدف الطموح منذ اليوم الأول لإعلان الرؤية؛ ولعلي أشير إلى إنشاء صندوق الاستثمارات العامة لـ «الشركة السعودية للصناعات العسكرية» التي أصبحت منصة مستدامة لتقديم المنتجات والخدمات العسكرية ذات المعايير العالمية؛ إضافة إلى توقيع اتفاقيات مهمة مع شركات عالمية لتوطين صناعة الأسلحة.
أسفرت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التاريخية إلى روسيا عن توقيع اتفاقيات مهمة لتزويد المملكة بنظام الدفاع الجوي المتقدم (S-400) وأنظمة (KORENT-EM) وراجمة الصواريخ وراجمة القنابل وسلاح كلاشينكوف وذخائره؛ وهي صفقة تتنوع بين الأسلحة المتقدمة تقنيًا؛ والأسلحة الخفيفة الأكثر جودة وفاعلية وانتشارًا. وعلى الرغم من أهميتها الدفاعية إلا أن الربط بين اتفاقية التوريد وتوطين تقنياتها وصناعتها محليًا؛ وفتح معاهد تدريب للشباب السعودي؛ لا يقل أهمية عن امتلاكها. حيث نصت الاتفاقية على التزام الجانب الروسي بتوطين صناعة الأسلحة وتقنياتها؛ والمرتبطة بالعقود الموقعة بين الجانبين. بحيث تتراوح نسبة التوطين بين 30 إلى 50 في المائة وبما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.
من المتوقع أن توفر عمليات التوطين ما يقرب من 3000 وظيفه مباشرة وغير مباشرة معظمها في الهندسة والتقنيات المتقدمة؛ إضافة إلى ما ستحققه من فرص استثمارية صغيرة ومتوسطة؛ وتعزيز نقل المعرفة التي ستسهم في التوسع الأفقي والعمودي للصناعات العسكرية. إضافة إلى ذلك فمن شأن مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين والهادفة لزيادة توطين الصناعات العسكرية؛ أن تسهم بشكل أكبر في توطين مزيد من الصناعات العسكرية من خارج منظومة الأسلحة المتفق على توريدها؛ وهذا ما تهدف له المملكة وتسعى إلى تحقيقه من خلال الاتفاقيات المشتركة المتمخضة عن الزيارات الملكية المهمة.
ولعلي أشير إلى العمل المنهجي للتوطين الذي اعتمدته المملكة في تحركاتها الخارجية وشراكاتها النوعية والمؤطرة بأهداف رؤية 2030؛ فحزمة الاتفاقيات العسكرية؛ وتوطين صناعاتها جاءت كتتويج لتحرك منهجي مهد له خلال السنتين الماضيتين وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين. فمنذ عام 2015 والمحادثات السعودية الروسية لم تنقطع على أعلى المستويات؛ بدأها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمفاوضات مرتبطة بشؤون النفط وما لبثت أن توسعت للشؤون السياسية وأمور الدفاع. نجحت المفاوضات في توحيد المواقف الداعمة لأسعار النفط؛ وتمخضت عن جوانب إيجابية أخرى؛ ومنها صفقات الأسلحة النوعية وتوطين صناعتها؛ إضافة إلى تقريب المواقف في قضايا المنطقة السياسية.
توقيع المملكة وروسيا على اتفاقيات توريد منظومة الصواريخ الدفاعية حفزت الولايات المتحدة الأمريكية على تمرير صفقة معطلة لأنظمة «ثاد» الصاروخية للدفاع الجوي؛ وأكثر من ذلك تحرك شركات صناعة الأسلحة الأمريكية لتفعيل اتفاقيات توطين الصناعات العسكرية في المملكة؛ وهو أمر لم يكن ليحدث؛ على الأقل في الزمن المنظور؛ لولا النتائج الإيجابية المهمة التي تمخضت عنها زيارة خادم الحرمين الشريفين لروسيا.
«الان شينودا» الرئيس التنفيذي والمدير العام لشركة «لوكهيد مارتن» أكَّد في تصريحات صحفية أنهم يتطلعون للمساهمة في توطين صناعات الدفاع السعودية؛ و»أن الصفقة التي عقدتها شركته خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للسعودية في شهر مايو الماضي تتجاوز مفهوم بيع الأسلحة إلى مفهوم الشراكة مع المملكة، حيث تشجع على إدراج عنصر نقل المعرفة».
خلق الشراكات مع الدول المتقدمة في الصناعات العسكرية أمر غاية في الأهمية. وأجزم أن تحرك السعودية لتنويع شراكاتها وتوزيعها بين الدول الصناعية الكبرى؛ ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، والصين؛ وروسيا؛ وغيرها من الدول الأخرى، سيسهم بشكل أكبر في تحقيق أهداف إستراتيجية مختلفة ومنها؛ تنوع مصادر الأسلحة واختيار الأفضل منها لتحقيق التكامل في المنظومة الدفاعية؛ تحقيق الإستراتيجية الأمنية ذات العلاقة باستدامة مصادر التوريد؛ توطين الصناعات العسكرية على أسس من تنوع المنتج وتكامل سلسلة الإنتاج؛ استثمار صفقات السلاح في تقريب المواقف السياسية.