إبراهيم عبدالله العمار
يحكي الضابط روري ميلر، أنه قرأ في طفولته كتاباً عن مُجالِد (Gladiator) روماني جُمِّد ونُقِل عبر الزمن إلى المستقبل، وجذب انتباه روري فقرة يتكلم فيها المجالد عن ضرب العنق، فيقول إنّ قطع الرأس عملية صعبة ونادراً ما فعلها المجالد بسبب تراكم الأنسجة في الرقبة وصلابة عضلاتها، وكيف أنّ ما يقطع العظم لا يقطع اللحم بسهولة.
ظل هذا الكلام في عقل روري فترة طويلة، إلى أن أتى يوم طلب فيه صديقه المساعدة في قتل أغنام، وأراد تقليل ألم وخوف الشاة قدر الاستطاعة فاختار الذبح، حينها أخذ سيفاً (وكان يتدرب على السيف كهواية) ورنَّ في باله الكلام الذي قرأه في الرواية، فتساءل إذا كان يستطيع الذبح به، فصوّب سيفه على العنق ثم ضرب رقبة الشاة فاخترقها السيف وقطعها كأنها هواء. سهولة مدهشة. فعل نفس الشيء مع البقية، وبعد الذبح قطع بعض أجزائها بالسيف بما في ذلك العظم واللحم، وبدون ضرب، فقط اتكأ على السيف من أعلى الذبيحة المعلقة وترك الجاذبية تعمل عملها، وكان هذا كافياً ليخترق السيف قرابة نصف متر من العظم كأنها سكين ساخن يشق مكعّب زبدة!
هذه من الظرائف التي أتى بها روري في كتابه الرائع «تأملات في العنف»، وروري خبير في العنف بحكم عمله حارس سجن وممارس لفنون القتال طيلة عمره، ويفيدنا أنّ العنف يستحيل التنبؤ بآثاره، فروري مثلاً أتته ضربة حديدة قوية على رأسه ولم يصبه أي شيء، ولكن ذات مرة أتته صفعة خفيفة على رأسه فأصابه الدوار وأخذ يتقيأ 3 أيام.
يدرب روري تلاميذه ليواجهوا مواقف العنف في الحياة الحقيقية، لكن للعنف مليون وجه، فعلى أيها ستركز؟ لذلك يضعهم في مواقف غريبة لكن تحصل في الواقع أكثر من العنف الجسدي، منها: الفرار من غرفة أو سيارة، سحب سلاح من أحزمة عدة مهاجمين، الهرع إلى هاتف وطلب الشرطة، فتح باب مغلق من الخارج من قِبَل شخصين بما في ذلك التصارع معهم.
يخبرنا روري أنّ أكثر العنف بين الناس سببه... الاحترام، وليس الضرورة مشاجرة بين اثنين بعد خلاف ستجد أن سببها شعور أحدهما بالإهانة أو التهديد، لا على نقطة الخلاف نفسها، سواء أكان حادثاً مرورياً أو اختلاف رأي أو مسألة مالية .. إلخ.