يوسف المحيميد
ما من شك في أن أكثر الدول بيروقراطية، هي أكثرها فسادًا، فكلما طالت فترة استكمال الخدمة والحصول عليها، سواء للمواطن أو للمؤسسة، وكلما تعددت الإجراءات الروتينية، وكثرت الأوراق المعبأة والموقعة، فإن ذلك يعني المزيد من الموظفين والموقعين، سواء الكسالى منهم أو المرتشين، وهذا يزيد احتمالات الفساد، على عكس التخلص من كل ذلك، والتخفف من عبء هذه الإجراءات، جاء التعامل الإلكتروني كي يحقق هدفين مهمين، تحقيق الراحة للمواطن طالب الخدمة، وتسهيل إجراءاته، والحصول على ما يريد من خلال هاتفه المحمول، ومن جانب آخر يخفف التعامل الإلكتروني في معظم الحكومات حالات الفساد، ويقلل الرشوة، ويحافظ على المال العام.
لقد تحولت معظم معاملاتنا في المملكة إلى خدمات إلكترونية، سواء ما يتعلق بالمواطن، أو بقطاع الأعمال، فلم نعد بحاجة إلى مراجعة كتابات العدل إلا ما ندر، ولا إدارات الجوازات، ولا استخراج الإقامات، ولا إصدار السجلات والرخص وغيرها من الخدمات، حتى على مستوى التعامل مع القطاع الخاص، لم نعد بحاجة إلى الوقوف أمام أبواب البنوك، وانتظار ساعات لخدمة لا تحتاج أكثر من ضغط زر بالهاتف المحمول، هكذا أصبحت الحياة أسهل، وأكثر أمانا، وأقل فسادا، بتحييد الإنسان وليس تهميشه كما يظن البعض.
ربما يعتقد البعض أن كل هذا التحول الإلكتروني ضد الإنسان، وأنه بشكل أو آخر يعني الاستغناء عن كثير من الموظفين والعاملين، ويزيد البطالة، لأن الآلة تصبح سيدة الموقف، وحتى إن كان ذلك صحيحا من حيث المبدأ النظري، إلا أنه بنظرة واسعة وعميقة غير دقيق، فالفرص الوظيفية تتغير، وتتحول إلى قطاعات جديدة لم تكن موجودة أصلا، وفي جميع مدن العالم نلاحظ هذا التحول في الأعمال الوظيفية، في السير الحثيث نحو المستقبل الرقمي.