فوزية الجار الله
ما زلت حتى الآن رغم طغيان الإنترنت والثقافة الإلكترونية أجدني غالبًا متلبسة بحنين جارف للثقافة الورقية التي يمثلها الكتاب الورقي، حيث تبقى له نكهته ودفء حضوره وقد وجدتني بكثير من الإصرار والاستمتاع أعود إلى بعض هذه الكتب بين الفترة والأخرى.
يطيب لي أن أحدثكم عن أحدها مما قد لا يكون رائجًا كثيرًا لكنني سعدت بالاطلاع عليه. الكتاب بعنوان (نداهة الكتابة) للدكتورة عبير سلامة، توقفت بكثير من الدهشة أمام كلمة ندّاهة وتذكرت أنني قرأت في طفولتي قصة للأطفال بعنوان (النداهة).
يتضمن الكتاب نصوصًا مجهولة في إبداع يوسف إدريس وتقول الكاتبة في مقدمة الكتاب: (تظهر الحاجة إلى تاريخ الأدب عند اكتشاف نصوص مجهولة لكاتب مشهور مما نُشِر في دوريات مختلفة ولم يقيده الكاتب في كتاب إما لسبب معلوم بلغت أهميته عند حد أن يُسقط من رصيده الإبداعي هذه النصوص وإما لأنه توفي قبل أن يجمعها ويعيد نشرها، ولا شك في أن اكتشاف مثل هذه، يعد فرصة نادرة أمام النقاد والباحثين لدراسة إبداع الكاتب دراسة شاملة إضافة إلى ما في عملية إسقاط الكاتب لبعض نتاجه أو - إخفائه - دلالة عظيمة على مراحل تطوره الفني..).
تضمن الكتاب مقالاً بعنوان (الكابوس) خلاصته أن توفيق الحكيم كان جالسًا كعادته في صالة فندق شيبرد ولم يبق على ميعاد انصرافه لكي ينام كعادته مبكرًا إلا نصف ساعة ولا بأس في قضائها في تأمل العابرين هنا وهناك فلربما كان هذا التأمل محرضًا لفكرة ما لتصبح نواة لـ(بيجماليون) أخرى أو (براكسا) من نوع جديد وبينما هو غارق في تلاملاته يُقبل إليه أحد معارفه، بعد التحية والاحتفاء يشاركه الجلوس على الطاولة ثم يشير الحكيم للنادل كي يأتي ليلبي طلب الضيف، بعد قليل يقبل صديق لهذا الشخص فينضم إليهما ويطلب مشروبًا، يسارع الحكيم إلى استدعاء النادل مرة أخرى رغم امتعاضه لنوع المشروب الذي طلبه الضيف الذي لا يعنيه بشكل مباشر وإنما هو صديق للصديق، ثم يستمر توافد الرفاق كل منهم يطلب مشروبًا أو طعامًا خفيفًا، يصاب توفيق الحكيم بالحيرة والانزعاج، يفكر بعمق من سيدفع الحساب؟! هذا بعد أن اقترب النادل ووضع الفاتورة في الكأس الفارغة على الطاولة التي كانت أمام الحكيم مباشرة، سأله الحكيم أن يتريث قليلاً، ثم يدفع بعصاه وبحركة يتظاهر بعفويتها آملاً بأن أحدًا من الجالسين لم يلحظها، يفعل ذلك إشارة إلى أنه ليس المسؤول عن دفع الحساب وبينما هو في حيرته واختناقه وضيقه يفتح عينيه ليرى ظلامًا، تأكَّد بعد أن أضاء نور الغرفة بأنه لم يكن إلا حلمًا، بل كابوس مزعج.
ربما يكون ماكتبه يوسف إدريس تلميحًا لصفة «البخل» التي يذكر أنها كانت ملازمة لتوفيق الحكيم -رحمه الله وغفر له- ومن قبل وبعد (اذكروا محاسن موتاكم).