د. جاسر الحربش
المنظر مقزز والتصرف همجي واعتدنا عليه، فلا المواطن يحتج ولا موظف البلدية الميداني يهتم ولا صحة البيئة تتدخل. سائق السيارة المستقدم من بلاد لا يرى أهلها بأساً في ذلك يفتح باب السيارة، ينحني ويبصق ما في فمه وبلعومه على الأسفلت ريثما تضيء إشارة المرور لمواصلة السير، وهذا المنظر يتكرر عند كل تقاطع. مخلفات الأفواه والبلاعيم والأنوف تصبغ الأسفلت ثم توزع الريح وعجلات السيارات محتوياتها من البكتيريا والفيروسات والفطريات في أجواء المدينة. ليست المشكلة قلة حياء وتخلف حضاري فقط، وإنما تعديات همجية على صحة البيئة والناس، لكنها تبقى تعديات محصنة ضد العقوبة المعنوية والمادية وحتى على الاستنكار اللفظي.
المنظر الآخر، أحد ركاب السيارة يفتح زجاجها (وفي هذه يتساوى المواطن والأجنبي) ويلقي بالمناديل الورقية وبقايا الوجبات السريعة ومعلبات الغازيات على الشارع. لو أزعجته ببوق سيارتك سينظر إليك مستهزءاً، وقد يرفع أحد أصابعه في وجهك أو يصرخ بعبارة نابية. هذا التصرف الهمجي يعتبر قيمة مضافة إلى مخلفات الأفواه والأنوف والبلاعيم من حيث النتائج الصحية والحضارية.
ويبقى المنظر الأكثر انتشاراًً ومساواة وعدالة في توزيع الميكروبات والمخلفات، ذلك الذي يحتسب لسيارات البلدية التي مهمتها الأصلية التخلص من المخلفات في الشوارع. حاويات القمامة أمام المنازل التي كانت براميل جديدة صفراء في البداية، ثم تحولت إلى ألوان القمامة نفسها، يتم تفريغها جزئياًً في سيارة شركة النظافة المتعاقدة، ويبقى جزء ملتصقاً بالبراميل، وثمة نثريات تتساقط لتتطاير مع الرياح، ثم تتحرك سيارة البلدية ومؤخرتها مفتوحة كاشفة عن أنيابها الحديدية وعما تم جمعه من مخلفات سابقة، ليحصل الشارع بكامله على توزيع عادل لجراثيم القمامة مع إشراقة شمس كل يوم جديد.
موضوع مساهمة الشارع في التلوث الصحي مزعج وخطير، وللأسف لن ينفع معه التثقيف العام، ويحتاج إلى عقوبات مؤلمة رادعة على الأقل بالتوقيف والغرامات. درجة الاستحقاق الأولى في العقوبات ستكون لبلديات الأحياء وموظفيها الميدانيين، ثم للشركات المتعاقدة مع البلديات لتنظيف الشوارع، وأخيراً، لكل من يلقى القبض عليه متلبساًً بالبصق على الشارع أو يبرطع كالحمار ملقياً بقايا وجباته السريعة ومعلباته ومناديله في الشارع على أنغام موجات الإف إم المرفوعة على الآخر، إمعاناً في إيذاء خلق الله.