ياسر صالح البهيجان
قطاع إيجار الوحدات السكنية يمثّل عصب حياة أكثر من نصف سكّان المملكة، في ظل اتجاه الأسر إليه كبديل مؤقّت يوفّر المسكن الملائم إلى حين حدوث انفراجة في إمكانات تملك المساكن، وعلى أمل انخفاض أسعارها إلى مستويات معقولة تنسجم مع متوسط مستوى دخل الفرد، ودون أن يضطر لتكبّد قروض مصرفية مرهقة تجعله يُمضي طيلة حياته في تسديدها.
ورغم الانخفاض النسبي لأسعار الأراضي البيضاء في عدد من مناطق المملكة الكبرى تحديدًا، إلا أن أسعار إيجارات الوحدات السكنية لا تزال محافظة على قيمتها، مع أن القطاع العقاري برمته يشهد هزة وركودًا يفرض تراجع الأسعار إلى مستوياتها الدُنى، ولكن استمرار أسعار الإيجار يدفعنا إلى تساؤلات ينبغي على وزارة الإسكان الإجابة عنها.
الوزارة مطالبة بتنظيم قطاع الإيجارات ليس فيما يتصل بعلاقة المالك بالمستأجر فحسب، بل أيضًا فيما له صلة باستمرار الإيجارات مرتفعة رغم أنها البديل الممكن أمام المواطنين في الوقت الراهن. هل ثمة هوامير عقاريون يقاومون معادلة انخفاض الطلب بتثبيت الأسعار؟ هل لا نزال نعاني من شح في الوحدات السكنية المعروضة للإيجار؟ هل يحاول المالك تعويض خسائره في الأراضي البيضاء بالمحافظة على تكلفة الإيجارات المرتفعة؟ أسئلة معلَّقة ينتظر المجتمع من الوزارة توضيحها ليس بالإجابة فقط، بل باستعراض التدابير الآنيّة المتبعة في سبيل تهيئة الظروف الملائمة ليتمكن كل فرد على أقل تقدير من استئجار وحدة سكنية بأسعار معقولة إلى أن يستطيع التملك.
أصحاب مكاتب العقار يشتكون من قلّة المستأجرين، وخلو العديد من الوحدات السكنية من أي مستأجر، وهذا يفرض انحدارًا في قيمة الوحدة بهدف إعادة التوازن إلى السوق عبر ارتفاع مستوى الطلب عليها من جديد، ولكن ذلك لم يحدث، وإن كان ثمة تغيّر فإنه طفيف جدًا، وهذا مؤشر على أن القطاع العقاري بحاجة إلى تقنين وأنظمة صارمة تضبط خضوعه للمؤشرات الاقتصادية ودون أن يظل عالقًا تحت قبضة الهوامير الباحثين عن الربحيّة الصرفة ذات الانعكاسات السلبية على المجتمع.
لعلني أقترح على الوزارة إنشاء منصة تقدم أسعارًا تقديرية لما تستحقه الوحدات السكنية المعروضة للإيجار في أحياء المدن الكبرى بالمملكة، لكي تعالج حالة التيه لدى المواطن الباحث عن وحدة سكنية، وليتفادى الوقوع تحت وطأة جشع التجار العقاريين الذين قد يضللون المستأجر ويوهمونه بمزايا ومواصفات في الحي ليست حقيقية، كما أن تلك المنصة ستضغط على الملاّك وتجعلهم يسعون إلى طرح الأسعار المتوافقة مع تقديرات الوزارة لكي لا يظهروا بمظهر الاستغلاليين.
المجتمع ينتظر من الوزارة مبادرات حقيقية ولها تأثيرات ملموسة على الأرض، والمأمول لا يزال أعلى سقفًا مما تحقق، ولعل قادم الأيام تأتي بأنباء تسر المستأجرين وتخفف عنهم جزءًا من معاناتهم المالية والنفسية.