د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
- في أحاديث الأصدقاء « الكهول ومَن فوقهم « استعادةٌ للماضي بلغةِ حنينٍ ونعيٌ للحاضر بزفرات أنين، ولا تثريب في الحالين؛ فالمسافة الأبعدُ أهم؛ يحكي الشباب عن الغد ويلتفت الشيوخ إلى الأمس، ويصيبُ المللَ ناشئٌ يُضطر إلى مجالسة الكبار؛ حكاياتُهم عن الطلول الدارسة والأماسي الناعسة ،ولو أنصفوا لما كان في تلك المرابع غيرُ ذكرى الشظف أمام حياةٍ ملأى بالترف، لكنَّ جانبًا مما يروونه مُحق؛ حيث امتلاء زمنٍ قضى بالمرح؛ يصنعه الناس مع بعضهم ولبعضهم وعبر رموز مجتمعيةٍ ليست لها وجاهةُ الأمكنة ولم تحيَ جمال الأزمنة ؛سكنوا أعماقَهم فتبادلوا طُرفَهم وتذاكروا مواقفهم وقارنوا دون أن يقترنوا وبحثوا فلم يجدوا مثلَهم.
- ليس أمتعَ من قصِّ نوادرِ العصر الأجمل بشرًا وإن كان أبأسَ قدرًا؛ حضرت ابتساماتهم وقت النزر وغابت وقت الغَمر ولم يعد الظرف الوقتي آذنًا بتكرارهم فالرضا الداخليُّ غير مرتهن لمعايير ماديةٍ ملموسة؛ اقترن الشقاء بالرخاء والاسترخاء بالعناء، وصار مختصو علوم الاجتماع والنفس والتربية في تحدٍ أمام بحث هذه الظاهرة وتحديد العوامل الدافعة والمانعة، وطال السعي لإيقاظ بواعث الفرح في نفوسٍ صدئت ولم يحن الغيثُ لإزهار مواسمَ أقفرت.
(2)
- سئمَ كثيرون من الأجهزة الذكية والوسائط التواصلية والأمطار المعلوماتية،كما لم يعودوا قادرين على النأي عنها؛ فبعض ما تحمله مازوشيةٌ تعذب الذات وتشاؤمية تشوه السمات وتمردية تبثٌ المحرمات؛ قنوطٌ من المستقبَل واستغلالٌ للمستقبِل وإشغالٌ للأوقات، تشاتمٌ وتلاطم وإشاعات، واسألوا الشباب كم تأخذ من أوقاتهم ؛ فقد استقصى صاحبكم عينةً عشوائية من طلبة الجامعات ومن في أعمارهم وأكبر منهم وأصغر ، ووجد أنها لا تقل عن عشر ساعات كل يوم؛ فهل نعي سلبيات الهدر وانعكاسات الهذر؟ وهل نجد لمساءاتنا بعض السلوى في نماذج تشبه من أنجبتهم البيوت الطينية فأضاؤوا الدواخل المعتمة ؟
(3)
- لا يعني صاحبَكم من يدَّعون أن التاريخَ يكرر نفسه؛ فهو - في نظره - لم يفعل ولن، غير أننا نعيد إنتاجَ ذواتنا بصورةٍ مسخيةٍ فنظننا من زمنٍ غير زمننا أو في مكانٍ لا يشبه أمكنتنا أو مع شخوصٍ ذوي ملامحَ لا تُمثّلنا ، ونحسبنا قادرين على تبديل ورقة التقويم وتضاريس الأرض وأعماق الإنسان وما نحن إلا مجترون؛ نحلم فنحكُم ونستيقظ فنتحكَّم، وتتماثل الحكايات فيتوقف الزمن ، وتتكهف الذوات فتتجدد المحن والإحن.
(4)
- نعجب - والحياة حبلى والعمر يلد - ممن يبكون تغييرًا لم يألفوه ويستبكون جيلًا لم يعُوه؛ حقهم أن يُعبروا عن مشاعرهم ، وحق سواهم أن يعتبرَ من استنساخهم؛ فلم يتجاوزوا ما ردده البدءُ قبلهم؛ اقتفوا الأثر وتجاهلوا المؤثِّر،ونسُوا أن الدورات المجتمعية تعودُ فتُعتاد، ولا يتجاوز دارسوها السطوح المهمشة فيصير العنوان أكبر من الخبر والحقيقة أضأل من البيان والمورقون المبتسمون في عوالم النسيان.
(5)
- التاريخُ لا يلتفت.