خالد الربيعان
تتخيلون أنه منذ عشر سنوات، وفي دوري للمدارس، ظهر طفل صغير أدهش من شاهدوه، وجذب كشافي نادي من الحجم المتوسط، طفل نحيل سريع جدًا، خطفه هؤلاء الكشافون، بنادي المقاولون العرب المصري، هذا الطفل بعد أن كبر قليلاً وأصبح في فريق تحت 19 سنة بهذا النادي، كانت قيمته السوقية 25 ألف يورو فقط!
نتكلم كثيرًا عن التسويق الرياضي والرعاة، ولا ننسى أن بطولة المدارس هذه كانت بتنظيم مشترك بين اتحاد القدم وبين أحد رعاته! مثال حي على إسهام التسويق والاستثمار الرياضي فعليًا على أرض الواقع!
هذا الطفل الذي نقصده بكلامنا هو حديث الأوساط الرياضية العربية هذه الأيام، أغلى لاعب عربي وإفريقي حاليًا، ونجم نادي ليفربول الإنجليزي العريق: محمد صلاح!!
في قصة صلاح دروس في الحياة وفي الرياضة، هل تتخيل أن نادي المقاولون وقتها عرض صلاح على إدارة الزمالك المصري فرفضوه؟! قال وقتها رئيس النادي: «إن قدمه مقوسة»! لا يصلح للزمالك! درس في الإدارة وأن هذا المنصب في منتهى الخطورة، لأن قراراته مصيرية!
المهم باعه المقاولون لنادي بازل السويسري بـ2.5 مليون يورو! صفقة رائعة، ولكن الأروع هو أن يبدع في بازل هذا النجم الصغير ثم يبيعه لتشيلسي الإنجليزي! بعد أن كان صلاح هو عقدة جوزيه مورينهو في دوري الأبطال! باعه بازل لهم بـ 16.5 مليون يورو!
رحلة طويلة! من المقاولون إلى بازل، من بازل إلى تشيلسي، ثم إلى فيورنتينا، ثم إلى روما، من روما إلى تشيلسي، ثم من تشيلسي إلى روما مرة ثانية بشراء نهائي بـ23 مليون يورو!، ثم من روما إلى ليفربول بقيمة 42 مليون يورو! تصل لـ 50 مليونا بعد حوافز الأداء!
الدرس الآخر في 2013 وتصفيات مونديال البرازيل، الصدمة للمنتخب المصري بالهزيمة الثقيلة في أمام غانا، بكى صلاح في الملعب لضياع الحلم، لكن النجم وقتها محمد أبو تريكة يواسيه ويذكره بأن حلم المونديال لم يضع.
الإصرار تجلى في المباراة المصيرية بعدها بأربع سنوات في القاهرة، المباراة التي تابعناها نحن السعوديين منذ أيام بشكل أدهش أبناء العمومة المصريين حتى هذه اللحظة! أن تقدم لضربة جزاء في آخر دقيقة، ضياعها قد يكلفك الحلم ذاته، أن تحمل 100 مليون شخص فوق أكتافك وأنت تضعها بكل قوتك وأنت لا ترى تقريبًا من فرط التوتر وصعوبة اللحظة!
الـ»بي بي سي» البريطانية قالت: إن هذه الركلة احتاجت إلى أعصاب من حديد! بالفعل كانت كذلك، وسيظل تصريحه بعد المباراة أنه تدرب عليها قبل يومين ليقينه بأن هناك ضربة جزاء في المباراة! تصريح يستعصي على التفسير.. لوقت طويل!
ناد لوحده!
هل تعلمون سر نجاح محمد صلاح؟ أنا أعرف هذا اللاعب يساوي ناديًا كاملاً في مجال المسؤولية الاجتماعية.. حضانات الأطفال في قريته متبرع لها بـ 8 ملايين جنيه، 4 ملايين أخرى لإنشاء معهد ديني، 5 ملايين أخرى لدور الأيتام بالقرية، وحدة إسعاف القرية، أجهزة مستشفاها ووحدة التنفس وحضانات الرضع! 5 ملايين أخرى لصندوق التبرع العام بالدولة، حتى تذاكر المباريات وباصات النقل للمشجعين أسهم فيها!.. (الخير= توفيق في الحياة).