هاني سالم مسهور
ليس من المستغرب إطلاقاً أن لا تنصف الأمم المتحدة دول التحالف العربي ضمن تقاريرها حول الصراع الجاري في اليمن، فهذه التقارير المغلوطة بشكل عام تهدف من خلالها كثير من المنظمات التابعة للأمم المتحدة أن تجعلها أوراق ضغط سياسي ومن الممكن أن تصل إلى حدود الابتزاز في المواقف سواء السياسية أو الإغاثية أو غيرها، فهذه المنظمات التي ترفع تقاريرها للأمم المتحدة يتم تجنيدها واستغلالها من قبل أطراف مختلفة وهذا ما يجري في الصراع اليمني الذي من المهم أن يتم قراءة دور الأمم المتحدة فيه منذ ظهوره الأول.
ظهرت الأمم المتحدة للمرة الأولى في حرب صيف 1994م وكانت هذه المرة الأولى التي يتعاطى معها اليمنيون مع قرار صادر من مجلس الأمن نص بضرورة وقف العمليات العسكرية بين الشمال والجنوب والعودة إلى وثيقة العهد والاتفاق المبرمة في العاصمة الأردنية عمّان، ووصل المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي لتنفيذ القرار، لكن ما حدث أنه أعطى غطاء بموجبه اجتاحت القوات الشمالية المحافظات الجنوبية في 7 يوليو 1994م ولتكن الأمم المتحدة شريكاً في واحدة من أعمق الأزمات السياسية اليمنية من ذلك التاريخ فمازالت قضية الجنوب أكثر قضايا اليمن تعقيداً بسبب أن الأمم المتحدة عجزت عن تنفيذ القرار 924 بل إنها شرعنت ما فعلته قوات المخلوع علي عبدالله صالح وشركائه آنذاك مليشيات حزب الإصلاح بالمحافظات الجنوبية.
لم يكن للأمم المتحدة دور فاعل على مدى عشرين عاماً فبقيت جهود محدودة حتى في مكافحة الألغام التي خلفتها الصراعات العسكرية في الحروب اليمنية ولم تنجح النجاح الكامل في هذا النطاق إضافة إلى نطاقات أخرى مثل التعليم ورعاية الطفولة فلم تستطع مشروعات الأمم المتحدة لتحقق نجاحات يمكن الإشارة إليها واكتفت بنشر تقاريرها عن اليمن برغم أن منظمات المجتمع المدني في اليمن تعتبر من أكثر المنظمات تفاعلاً غير أن الأمم المتحدة لم تقم بعمل ما تستحق من برامج دعم وتأهيل لهذه المنظمات المدنية.
الظهور الثاني للأمم المتحدة كان بعد تعيين المبعوث الدولي جمال بن عمر بعد أن وضعت الأمم المتحدة اليمن تحت ((الفصل السابع)) وبعد أن تقدمت المجموعة الدولية بآلية تضمن تنفيذ المبادرة الخليجية التي قُدمت في أبريل 2011م، وهنا لابد من الاستذكار أن السعودية وبمشاركة دول الخليج قادت عملية سياسية كبيرة تمخضت آنذاك من إنقاذ اليمن من مآلات خطيرة ونجحت في أن توقف الصراع المسلح بين الفرقاء في داخل العاصمة صنعاء، وكان التدخل السعودي حاسماً بوقف الصراع والانتقال إلى حل سياسي مما كان سيجعل اليمن يتجنب ما وقعت فيه دول عربية أخرى.
بعد أن تدخلت الأمم المتحدة عاث جمال بن عمر فساداً في أروقة ودهاليز السياسة اليمنية، لم ينجح أو أنه أراد أن يصل اليمن إلى هذا المنزلق، تم تشجيع الحوثيين عبر شرعنة ظهورهم السياسي، وفي المقابل تم إطلاق العنان لحزب الإصلاح أن يمرر كثيراً من المحظورات السياسية لخلق أزمات جديدة أنتجت في النهاية انسداد أفق اليمن السياسي مما أحدث انقلاب 21 سبتمبر 2014م، ولم يتوقف ابن عمر بل استمر في مهمته العبثية حتى انطلقت عاصفة الحزم في مارس 2015م. ثالث التجارب الأممية السلبية يقودها إسماعيل ولد الشيخ أحمد فعلى مدار أكثر من عامين لم يستطع أن يقدم تقريراً واحداً لمجلس الأمن الدولي يستند فيه على (الفصل السابع) ويطالب فيه الدول دائمة العضوية بالتفيذ الفوري للقرار 2216، وعلى رغم كل التقارير الصادرة عن التحالف العربي والموثقة عبر منظمات أممية حول استخدام الحوثيين للأطفال كدروع بشرية وكذلك الصحفيون والسطو على المساعدات الإنسانية فلم تبادر الأمم المتحدة بمعاقبة الحوثيين بل إنها تحاول في كل مرة إيجاد مسوغات لعدم تجاوبهم.
وثقت اللجنة الوطنية اليمنية في تقريرها الصادر في سبتمبر 2017م أن مليشيات الحوثي جندت 20 ألف طفل منذ اندلاع الحرب في اليمن، هذا الرقم الهائل لم يحرك المنظمات الأممية فهي تدرك أن الحوثي لا يملك الأموال ليتم ابتزازه بينما يتم تسخير تقارير مغلوطة ضد التحالف العربي لممارسة الابتزاز الذي تجيده تلك المنظمات الأممية.
منذ أن اندلعت الأزمة اليمنية مازلت أكرر أن السعوديين وحدهم القادرين بعد الله تعالى أن يجدوا حلاً توافقياً لليمن، فالعلاقة السعودية مع اليمن بدأت منذ 1934م والرياض تدرك خبايا هذا اليمن المختلط بكل أطياف السياسة والقبيلة والمذهب، السعوديون يعلمون كيف يستقطبون رجالات اليمن وما حدث في المبادرة الخليجية دليل على قدرتهم تحقيق أقوى الاختراقات السياسية في اليمن، الخطر على اليمن واليمنيين يكمن في تدويل أزمتهم واستخدامها في ملفات كبيرة خاصة وأن اليمن جزء من القرن الأفريقي الناهض مؤخراً والذي تتنافس عليه دول شرق أوسطية مختلفة بينما يبقى اليمن ملفاً مفتوحاً بسبب سلبية تعاطي الأمم المتحدة وعدم إنصافها للتحالف العربي برغم ما قدم من جهد للتخفيف من معاناة سببها اليمنيون أنفسهم.