فهد بن أحمد الصالح
كل حُقبة تمر على المشهد الرياضي والشبابي نستشرف معها مستقبلاً مشرقًا وأحلامًا نتطلع إلى تحقيقها، وفي ختامها نجد أن المحصلة أقل مما كنا نأمل، بالرغم من الإنفاق الضخم في العقود الثلاثة الماضية تحديدًا وهي الفترة التي كنا ننافس أنفسنا في المراكز الأخيرة في معظم الألعاب وعلى مستوى العالم، وأصبحت البيئة الداخلية للأندية بيئة طاردة إلا من رحم الله وهي أندية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة بسبب بعد البقية عن الجانب الثقافي والاجتماعي وهما المجالان اللذان يأمن فيهما الآباء على الأبناء عند الانتماء للأندية، كما تعد تلك الجوانب مفتاحًا لصلاح البيئة الرياضية في الأصل، وفي عقود استثنائية مضت قد التصقت مع كل الأندية عبارة (رياضي، ثقافي، اجتماعي)، أما مؤخرًا فقد تحول الاهتمام عن الجانب الثقافي والاجتماعي بالكامل من قِبل الهيئة الرياضية والأندية وإن خصص لذلك جائزة غير فاعلة، وتم التركيز على الجانب الرياضي فقط، ثم على لعبة واحدة، هي كرة القدم، وضاعت الأحلام، وتبدلت الأحوال.
ولذلك فإننا نتطلع بعد أن أصبحت مرجعية الهيئة العامة للرياضة لمجلس الاقتصاد والتنمية وسمي رئيسًا لمجلس إدارتها شاب رياضي متمرس إلى عصر جديد، لا يتراجع عن ركائزه الثلاث (الرياضية والاجتماعية والثقافية). ولا شك أن قصر مرجعيتها على المجلس سيجعل الأمر يخضع لمؤشرات أداء وجدول زمني وحساب دوري على النتائج مع الالتزام بتصحيح الانحرافات وعدم تكرارها. ويسبق ذلك خطة إستراتيجية وأخرى تنفيذية. ولا شك أنه سيعاد دراسة المشهد الرياضي بكامله، وتقييمه، وتقييم وتقويم اتحاداته ولجانه والعلاقة بينها وبين الهيئة وميزانياتها واستقلاليتها وصلاحيات الصرف المالي وتفعيل المحاكم الرياضية واللجان المتعلقة بالمشهد الرياضي وكل ما له مساس بالسلوك داخل الملعب وخارجه ليتحقق الانضباط الذي سيقودنا لتحقيق نتائج أفضل على كل المستويات. وأتطلع من معالي رئيس المجلس أن يدفع بقوة في التركيز على بعض الجوانب التي أفسدت كثيرًا من الجهود التي تُبذل، ويسرني الإشارة إلى بعضها وهي:
أولاً: سرعة إقرار العقوبات التي سبق إعلان اجتماعات ولجان عمل بشأنها، والمتعلقة بالتعصب الرياضي، التي صدر التوجيه بها من المقام السامي الكريم، وتقنين الجزاءات المصاحبة للأخطاء، وتفعيل المحكمة الإعلامية التي تنظر ما سمى بنشر الجرائم المعلوماتية، وعدم ترك وسائل التواصل الاجتماعي الحديث مطية لمن أراد الإساءة لأشخاص يختلف معهم بشخصه أو أسلوب تفكيره؛ وهذا جعل البيئة الرياضية طاردة للكفاءات التي تحرص على سمعتها ومالها ووقتها.
ثانيًا: العمل على تفعيل الاتفاقية المبهمة التي مضى عليها أكثر من عامين مع وزارة التعليم؛ لأن الرياضة مرتبطة بالشباب، والبناء المؤسسي فيهم سيمكِّننا غدًا من حصد نتائج أفضل، وفيهم نستطيع أن نزرع نبذ العنف والبعد عن التعصب، ونخلق معهم مخازن رياضية وطنية، ترتقي بالذائقة العامة، وتنعكس إيجابًا على متابعي الرياضة وممارسيها، مع الاهتمام والعناية بعطاء اتحاد الرياضة المدرسية واتحاد الجامعات السعودية الرياضي؛ لتكون موردًا مميزًا لمنتخباتنا وأنديتنا.
ثالثًا: إعادة تقييم المبادرات التي قُدمت من أجل تحقيق برنامج التحول الرياضي، وعددها 22 مبادرة، والمبلغ المرصود لها قليل جدًّا، ولن يمكِّن الهيئة من تحقيقها، وهو 27 مليار ريال، ويمكن إعادة الأولوية في التنفيذ مع التركيز على عدم التنفيذ المبتور لكل مبادرة؛ لأن النتائج في هذه الحالة ستكون دون المأمول، وتغليب المحاور الرئيسة التي وردت في رؤية المملكة 2030، وتسخير كل المبادرات لتحقيقها، والرصد المالي لتنفيذها، مع الاستعانة ببيوت الخبرة وأهل الرأي.
رابعًا: حاجة الشباب عامة والرياضيين خاصة إلى زرع ثقافة المسؤولية الاجتماعية الفردية في الرياضي، والجماعية في الأندية والاتحادات، مع العمل على بناء القدوة الحسنة في كل المناشط التي لها علاقة بالرياضة والشباب. والواقع - لا شك - اليوم لا يسر، ونماذج القدوات تعدهم بسهولة، ولا ترى الاستدامة والاستمرار لسمعة الرياضيين السابقين، مع الحاجة الدائمة لوجود جمعيات أهلية وتعاونية تنموية وليست رعوية، تحقق قيمة مضافة للرياضيين بعد الاعتزال والعجز.
ختامًا: نقدر بالكثير من الشكر القرارات السريعة التي أصدرها معالي رئيس الهيئة الرياضية التي نعدها عصرًا جديدًا ومرحلة سريعة في اتخاذ القرار لم نعهدها سابقًا وهو دليل على حرص القيادة في تسريع تحقيق اهتمامات الشباب، ونثق على إثر ذلك أن ثمة عصرًا جديدًا، سيكتب للرياضة السعودية، سيكون أكثر وضوحًا من السابق، وأكثر شفافية، وأكثر محاسبة.. والعبرة فيه ستكون بالنتائج السريعة؛ لأن انتظار الختام يجعلنا مكبلين بهموم وأوجاع وإحباطات عانينا منها كثيرًا.. وعلى الإعلام في الفترة المقبلة مهمة مضاعفة في توطين الأنفس، وتهدئة الخلافات، وعدم تضخيمها، والبُعد عن الشخصنة في الطرح حتى وإن كانت الكتابة تمثل صاحبها، ولذا يجب أن يُبعد عن الساحة الرياضية كل من يدعو ويقود للتعصب، ولا يدفع إلى السير الإيجابي في تحقيق النتائج، لأننا اليوم أكثر اطمئنانًا فمجلس الاقتصاد والتنمية سيراقب كل النتائج والأعمال، وسيحاسب كثيرًا على الإخفاق طمعًا في عصر رياضي جديد وجدير بالاحترام والفخر به.