حمّاد السالمي
* لا يوجد على وجه الأرض أتعس من إنسان يشعر أنه مهان في دينه، وعرضه، وكرامته، وحياته على أي وجه كانت. الإسلام هو الدين الذي حفظ للإنسان حقه في العيش بعزة وكرامة، وجابه المعتدين على هذا الحق بكل حزم وصرامة. أقول الإسلام وليس المسلمين، لأن ليس كل ما يصدر عن المسلمين يمثل دينهم، ويعكس مبادئه وقيمه وأخلاقياته، والدليل هو ما نعيشه ونلمسه اليوم في حياتنا الحاضرة؛ من تطرف وإرهاب وظلم وعدوان؛ يبوء به المسلمون أنفسهم ضد المسلمين، وضد آخرين من خلق الله من ديانات وملل أخرى.
* إن ردع الظَّلَمة ومعاقبة المعتدين، مسئولية حاكمية بالدرجة الأولى، ومهمة اجتماعية بالدرجة الثانية. وإذا عرف الناس أن هناك قوانين صارمة تحكم حياتهم، وأنظمة واضحة تضبط سلوكهم، أدركوا أنهم ليسوا وحدهم في هذا الكون، وأنهم في حياتهم الدنيا بين كفتي ميزان: (أحسنت للمحسن.. وأسأت للمسيء)، وأن حقوق الناس بكل فئاتهم وأجناسهم، مكفولة ومحفوظة، فليس هناك قوي إلا بالحق، ولا ضعيف إلا بهضم هذا الحق.
* أستخدم مصطلح التحرش في مسألة حقوقية بين أطراف؛ لأني لم أجد أبلغ من هذا المصطلح في إطلاق هذه التسمية على هذه الحالات التي نعرف جيدًا أنها تقع بيننا صباح مساء، وأنها الشغل الشاغل لأطراف لا هم لها إلا التحريض على أطراف أخرى، والإيغال في الكراهية للخصم، حتى لو كان من دين واحد، وعرق واحد، وبلد واحد.
* من معاني التحرش في اللغة؛ التهييج والاستفزاز والإثارة، وكذلك الإغراء للإيقاع بالمتحرَّش به. ومنه إثارة العداوة، وإلقاء البغضاء، وتأليب النفوس بعضها على بعض ليحدث الشجار، فيكون بذلك الشقاق والافتراق. وللتحرش في حياة الناس صور كثيرة، منها التحريش بين البهائم على سبيل المثال ولو للتسلية، وهذا ورد النهي عنه في الحديث النبوي، ومنها التحرش الجنسي واللفظي، وهذا ما حمل الدول المتحضرة في العالم؛ على تجريمه، والتصدي له بقوانين صارمة، تحفظ حقوق الأطفال والنساء بشكل خاص، لأنهم أكثر من يتعرض لهذا الأذى الذي ينافي تعاليم الأديان، ويخالف الأخلاق العامة وطبيعة البشر. الحمد لله أن دولتنا راعت هذا الجانب الخطير، فصدرت التوجيهات الكريمة لوزارة الداخلية؛ بإعداد نظام مكافحة التحرش خلال شهرين. التحرش الجنسي واللفظي مجرَّم في مملكتنا، ومعاقب عليه بعد صدور هذا النظام.
* هناك تحرش وتحريش أعظم وأخطر من التحرش الجنسي واللفظي؛ ألا وهو: (التحرش الطائفي والمذهبي). لا يستطيع أحد أن ينكر؛ أن المحرضين من المتحرشين بغيرهم ممن هم على غير مذهبهم أو طائفتهم وملتهم وعرقهم وفئتهم؛ يتكاثرون في المجتمع بغير حساب، ويستغلون المنابر المتاحة لهم كافة؛ سواء كانت دينية أو إعلامية، بهدف شتم وسبّ خصومهم من مواطنيهم، والسخرية منهم، والتقليل من شأنهم. لا بل.. وتصنيفهم وتكفيرهم أحيانًا..! واتهامهم في عقيدتهم، والطعن في انتمائهم المجتمعي، والتشكيك في ولائهم الوطني. هذا ناتج عن تطرف فكري مدعوم بالجهل، وهو الخطر العظيم المفضي إلى الفتنة، والذي حذر منه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، لأنه من عمل الشيطان. قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم). أَي في حَمْلهم على الفِتَنِ والحُروب.
* نحن في أمسّ الحاجة؛ إلى قانون يضرب بيد من حديد؛ على التمييز العنصري بين الأفراد والجماعات بشتى صوره، دينية أو عرقية، ومذهبية كانت أو طائفية. وسرّني ما تسرّب من أنباء عن أن مجلس الشورى يعتزم مناقشة قانون مكافحة التمييز العنصري قريباً، تمهيداً لإقراره خلال الفترة المقبلة، وأن لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بالمجلس؛ قد انتهت من دراسته بالفعل، وربما يطرح للمناقشة في الجلسات المقبلة لمجلس الشورى.
* تقول مصادر في هذا الشأن: إن هذا المشروع المقترح؛ تقدم به خمسة أعضاء في المجلس، ويتناول في مواده الثلاثة عشرة؛ تشريع نظام محكم، يمنع الاعتداء على أماكن أداء الشعائر الدينية، أو الإساءة إلى المقدسات المرعية، أو النيل من الرموز التاريخية، إلى جانب حماية النسيج الاجتماعي من مخاطر التمييز بين أفراده وفئاته في الحقوق والواجبات؛ لأسباب طائفية ومذهبية، أو عرقية وقبلية، أو حتى مناطقية، ويوقف المنابزات الفكرية والسياسية، التي تظهر بين الخصوم من منطلقات مختلفة. إن الأمر يتطلب تجريم التمييز العنصري بأشكاله كافة، لأنه فعل ممقوت مخالف للوحدة الوطنية، ومهدد للإجماع الوطني، الذي تتمتع به المملكة منذ تأسيسها.
* من أهم المكاسب في العهد السلماني المجيد؛ الانتصار للمرأة في حق قيادة المركبات، ومكافحة التحرش. وإذا صدر نظام تجريم التحرش الطائفي والمذهبي، فإن المملكة تنزع وبكل جدارة، تلك الأوراق القذرة، التي طالما استخدمها أعداؤها في الداخل والخارج، للضغط عليها، ولتشويه صورتها، ومن ثم تحريك الأذناب المأجورة؛ للتشويش والتضليل المتعمد.
* قول أعجبني لـ(نيلسون مانديلا.. مناضل سياسي، وأول رئيس لجنوب أفريقيا بعد انتهاء التمييز العنصري). قال: (لا يوجد إنسان ولد يكره إنسانًا آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه. الناس تعلمت الكراهية، وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية؛ إذن بإمكاننا تعليمهم الحب. خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية).