د.عبدالله مناع
هذه ليست (المصالحة الفلسطينية) الأولى.. التي جرت خلال الأحد عشر عاماً الماضية.. ولكنها ربما كانت الأبرز والأهم بعد ثورة الثلاثين من شهر يونية الحاشدة، التي أزاحت (الإخوان) عن حكم مصر!!
فقبل أربعة أعوام.. استطاع الرئيس أبو مازن - بما يشبه.. المعجزات - أن يشكل حكومة (وحدة وطنية) من (المستقلين) من الجانبين - فتح وحماس - بـ(رئاسة) رامي حمد الله.. وبـ(التوافق) عليه بين الفصيلين.. إلا أنه لم يقدر لتلك الحكومة النجاحأو حتى بعض الاستمرار. وانتهت تلك الحكومة بفضل التعنت (الإسرائيلي) و(الحمساوي).. معاً : إذا أن بعض الدول الغربية الكبرى كـ(الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا).. تربصت بهذه الحكومة بناء على رجاءات وتوسلات (نتنياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي.. فلم تعترف بها، ولا بقيامها.. بحجة أن (حماس) منظمة إرهابية!! وأنها لا تسعى لـ(السلام) مع إسرائيل.. بل تسعى لـ(تدمير) إسرائيل - وهو (كلام) كانت وما تزال تردده (حماس).. منذ سنوات.. بل منذ أن سمع العالم بـ شيء اسمه (حماس)، دون أن نرى نتائج له على أرض الواقع ، يضاف إلى هذه المواقف الغربية التقليدية: الاعتراضات الحمساوية على التعيينات الوزارية.. كـ(اعتراضهم) على تعيين السيد (رياض المالكي) لـ(الخارجية)، وأملهم أن يكون الداعية الإسلامي (الشيخ محمود الزهار).. هو البديل له.؟!
بينما كان (المالكي) هو الدبلوماسي الفلسطيني الأقدر والأنسب لـ(هذا المنصب) ، فهو الذي استطاع بـ(دبلوماسيته) أن يدخل (فلسطين.. العضو المراقب) في الأمم المتحدة إلى (اتفاقيات جنيف (الأربعة) الشهيرة، ليضمن بها معاملة الأسرى الفلسطينين.. كبقية أسرى الحروب في العالم!! أما الشيخ محمود الزهار.. الذي عمل وزيراً للخارجية لأول مرة في حياته.. بعد أول انتخابات فلسطينية تفوز بها (حماس) بعد تطبيق المرحلة الأولى من (أوسلو).. فإنه ربما يصلح لأن يكون وزيراً للشؤون الدينية أو الاجتماعية.. لا لـ(الخارجية) التي لا تحتاج إلى داعية.. بقدر ما تحتاج إلى سياسي محترف.. يحمل مزيجاً من الوطنية والبراجماتية..!!
***
لقد عانى الرئيس الشهيد عرفات من (حماس) واعتراضاتها الكثيرة، وعنعناتها التي لا نهاية لها.. حتى قال قولته الرائعة: (لا تلومونني.. فأنا كمن يحمل كيسا من (البصل) ملئ بـ(الرؤوس)!! وقد صدق في تشبيه الرائع.. فكل قيادي.. أو شبة قيادي في أي فصيل من فصائل المقاومة - الذي يشكل مجموعها: (منظمة التحرير الفلسطينية).. يرى في نفسه: (رأساً) مدبرة، يجب الاستماع إليها، والأخذ بما ترتايه.. والا فلا أهمية ولا قيمة لـ(المصالحة الوطنية)!! فـ(الوطن) عند (حماس).. ان كان في غزه أو الضفة الغربية.. لا أهمية له أمام اهمية التنظيم الإسلامي الأممي، الذي يسعى لإقامة دولة الخلافة مجدداً.. برعاية (تركيا) سياسياً و(قطر).. مالياً، ولذلك فقد جُن جنون الحمساويين مع سقوط (الإخوان) في مصر.. إلى درجة الاندفاع لقتال جنود مصر البواسل في سيناء، الذين قاتلوا دفاعاً عن (فلسطين) منذ نكبة 1948م - وإلى يومنا هذا.. وإلى غد.. وحتى قيام الساعة.. دفاعاً عن الدكتور مرسي وهو في نزعه الأخير بين اعتصامات (رابعة) و(النهضة).. إلا أن ثورة الثلاين من يونية الحاشدة استكملت مسيرتها في ذلك اليوم الفارق في حياة مصر وشعبها.. إلى أن تم لها إزاحة مرسي و(دراويشه) من السلطة.. والعودة بها إلى قواها المدنية القادرة عليها.
***
لقد كانت معاناة (أبو مازن) مع (حماس).. هي امتداد طبيعي لمعاناة (أبو عمار) معها.. لأن الخلطة السياسية التي قامت وتقوم عليها (حماس) من (العقدي) و(السياسي).. لم تتغير.. إلا أن الغطاء انكشف عن المخبأ والمستور من أمرها وظهر جلياً مدى ارتباطها العضوي العميق بـ(التنظيمات) الدولية.. مما جعلها بعد ثورة الثلاثين من يونية في حالة من (اليتم) السياسي.. الذي ألان من شوكتها، وجعلها أقرب إلى التفاهمات الوطنية منها إلى طبيعتها الرافضة التي كانت دائماً عليها، وهو ما فتح الباب مجدداً أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.. ولقاءاته مع القوى السياسية الفاعلة في المنظمة، والتي كان من بينها لقاؤه الأشهر مع الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، الذي يمكن أن يفعل أي شيء، أو أن لا يفعل أي شيء، أو أن يكون مع (حل الدولتين) أو مع غيره دون أن يعلم هو أو العالم: ما البديل له.. ليعيد الرئيس (السيسي) فتح ملف (المصالحة الوطنية الفلسطينية) ثانية.. والخروج منه بإحياء (حكومة الوحدة الوطنية) - التي أنجزها الرئيس محمود عباس - والتي عاندت قيامها (حماس).. لتبدأ أعمالها من (غزة) مجدداً.. بعد وصول الرئيس رامي الحمدالله وأعضاء حكومته إليها.. وهو ما تم فعلاً، لتبدأ الحكومة أعمالها، وليضيف الرئيس السيسي بهذا الإنجاز السياسي والوطني الكبير لتاريخه، وتاريخ مصر.. وإن كان يكفيه حقاً أنه أعاد (القضية الفلسطينية) مجدداً لواجهات الأحداث السياسية وصفحاتها الأولى بعد أن كاد العالم أن ينساها.. وهو ما تريده وتتمناه وتسعى إليه (إسرائيل)، وهو ما سيريحه في النهاية من احتمالات مواجهة عسكرية مع (حماس)، لا تليق بمصر.. وسمعتها، ودورها الذي تأبى وطنيته أن يواجه جيشها.. جيشا عربياً - فضلاً عن أن يكون ذلك الجيش هو جماعة (حماس) الفلسطينية أو بعض المنشقين عليها.
***
ليبقى بعد هذا.. أن يتذكر الفلسطينيون و(الحمساويون) في مقدمتهم: أن (الزمن) تغير.. كثيراً، ولم يعد يسمح بـ(العبث) بـ(المصالحة الوطنية).. كما كان يحدث في الماضي، ولا بتلك الاندفاعات العصبية المخجلة في الشوارع والميادين: قتالاً بين الفتحاويين والحمساويين، وأن يلتف الجميع حول قيادته الوطنية التاريخية.. حتى يمكن بلوغ مرحلة الحل النهائي الثالثة في (أوسلو).. الذي لم يثبت.. ولم يبق غيرها على الساحة.
فانتزاع أراضي الدولة الفلسطينية.. من أيدي المستوطنين المتوحشين لن يكون سهلاً، وهو بقدر حاجته إلى قيادة سياسية واعية.. كقيادة (أبي مازن)، يحتاج إلى حشد شعبي فلسطيني.. على كلمة واحدة.