د.عبدالعزيز العمر
تعد الحرية قيمة إنسانية حياتية عليا وعظيمة عند أي تجمع بشري، بل هي الرئة التي تتنفس بها كل مجتمعات هذا الكوكب. وهي- أي الحرية- تمثل الحد الفاصل بين الحياة الإنسانية والحياة البهيمية، فغيابها يعني هبوط الإنسان إلى الدرك البهيمي. إن أول خط مواجهة للطفل مع الحرية يظهر له في البيت، فهناك قد ينكشف للطفل تسلط وهيمنة والده أو أخيه الأكبر على أفراد أسرته، وإجباره لهم على السير في اتجاه ما يتخذه الأب من قرارات دون أي اختيار لهم. في هذا المحضن الأسري سيتعلم الطفل ألف باء التسلط. وعندما يكبر الطفل وينتقل إلى المدرسة سوف يظهر له ديكتاتور تسلطي آخر، وهو المعلم الذي لا يقيم لاختيارات وميول ورغبات الطفل وزنا (دون أن نعمم هنا)، هنا سيجد الطفل أن لاصوت له على الإطلاق فيما يتعلمه وكيف يتعلمه، وسوف يتملكه الخوف والقلق والرهبة قبل أن يبدي لمعلمه وجهة نظره الخاصة فيما يتعلمه. فالطفل تم إقناعه وبرمجته بأن ما يراه المعلم هو الصح المطلق، بل إن معلمه هو سقف المعرفة، ولن يقبل ذلك المعلم سماع أي وجهة نظر أخرى. إنني أستطيع أن أقول وبكل ثقة إن ضعف التعليم يعود في أساسه إلى حرمان الطفل من أجواء الحرية في المدرسة التي تمكنه من إبداء وجهة نظره وفق مبادئ أخلاقية عليا يعرفها الجميع وتؤطر لما يجري في المدرسة والفصل من أحداث. إن الخوف كل الخوف هو أن يستمر مثل هذا المناخ التعليمي في الجامعة، حيث عندها يتحول الطالب الجامعي إلى مسخ يردد ما يقال له دون وعي به، ودون أن يكون له رؤيته الشخصية الحادة فيما يتعلمه ويناقشه، والمصيبة تكون أعظم عندما تكون جامعة هذا الطالب نفسها فاقدة للحرية الأكاديمية في برامجها وإداراتها.