ياسر صالح البهيجان
آلية عمل صندق التنمية العقارية وبرنامجه «التمويل المدعوم» لم يحظَ حتى اللحظة بثقة المواطن، إذ إن أزمة الإسكان الراهنة تبدو أعمق من حلول الصندوق الآنيّة، وتتجاوز سداد أرباح المصارف إذا لم يتجاوز المبلغ المقترض 500 ألف ريال، إذا ما علمنا بأن أسعار المنازل الجاهزة لا تكاد تنخفض قيمتها عن المليون ريال في مدن المملكة الكبرى، أي أن المواطن سيتكفل بسداد نصف مليون دون أرباح، والنصف الآخر سيرهقه بأرباحه البنكيّة الباهظة.
التحوّل الذي شهده الصندوق هو انتقاله من كونه ممولاً مباشراً للمستفيدين، إلى جهة تضمن للمصارف استردادها لمبلغ التمويل في حال تعثّر المستفيد في السداد، أي أن عملها أشبه بعمل الوسيط بين المواطن والمصرف، وهذه الخطوة قد تشلّ فاعليّة الصندوق ودوره الحقيقي، وتجعله مرتهنًا للاشتراطات المصرفيّة الصارمة، ما يجعله في المستقبل جزءاً من الأزمة بدلاً من أن يوفّر الحلول المناسبة في ظل صعوبة تملك المساكن في المرحلة الحالية. الصندوق يبرر تحويله للمستفيدين إلى المصارف بأنه لا يمتلك قدرة ماليّة على تمويل المواطنين بطريقة مباشرة كما كان يعمل في السابق في ظل تزايد قوائم الانتظار وامتداد بعضها لعقود، وهذا المبرر يدفعنا للتساؤل عن أسباب ضعف إيرادات الصندوق رغم أنه يعمل في القطاع العقاري المتنامي والذي تحقق منه الشركات العاملة فيه أرباحًا فلكيّة، وأيضًا يثير تساؤلاً آخر، لماذا لا يتجه الصندوق للاستثمار في القطاع مقابل أرباح رمزيّة تعيد إليه ما ينفقه وتضمن له الاستمرارية في التشييد والبناء، ليمتلك حلولاً أكثر فاعليّة تساهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وحتمًا سينعكس ذلك على أسعار المساكن، وستنخفض إلى مستويات تمكّن المواطن من التملك دون الدخول في دوّامة المديونيات المليونيّة المرهقة.
لا بد أن يتجه الصندوق نحو خيارات توفّر له الإيرادات لكي يتمكن من تجاوز أزمته الماليّة، وإن ظل عاجزًا عن تمويل ذاته، فإن المواطن لن ينتظر منه معالجة مشكلاته التمويلية، وإن استمرت أزمة الثقة بينه وبين المستفيدين لن تحقق خطواته الراهنة أي تقدم، وسيتحوّل من جهاز حكومي فاعل، إلى جهة تعد عبئًا على ميزانية الدولة، وهذا بلا شك قد يجعل الصندوق جزءًا من الماضي، فلا بد من التحرك العاجل لتصحيح لوائحه وأنظمته، وابتكار حلول تمويلية تتناسب مع قدرات المواطنين الماليّة من أجل تجاوز أزمة استمرت لعقود.