د. خيرية السقاف
اتفق المجرِّبون على أنّ «في التأني السلامة»..
وذهبت حكمة «التأني» تندرج تحتها قائمة طويلة من أفعال البشر، وفي سلوكهم..
ففي التسرُّع ما يورث الندم، وكثيراً ما يتسرّع المرء في حركته، وفي تفكيره، وفي اتخاذ قراره، وفي مواقفه من الآخرين، وفي إسباغ فهمه الخاص على ما هو منهم باختلاف ما يكون، بل في اتخاذ سبيله وفق ما يرى، وربما وفق ما يمليه عليه حسه، وشعوره، لا عقله، وإدراكه...
وقد يكون كل هذا مبنياً على تسرعه في الفهم، وفي التفسير، دون أن يتدبّر بهدوء، ويفنِّد بإدراك، ويتخذ الموقف، أو الرأي، أو القرار، وفق حقيقة ما لم يدرك، ووجهه الحقيقي، فيقابله بما لا يحتمل مفرغاً من التدبُّر السليم !!..
إنّ الوقوع في شراك التسرع له مغبات بعيدة في سوئها، فهي فاعلة في النقض، والإيذاء، والخسائر..
وحين تتدبّر في الحراك المجتمعي التفاعلي الراهن، وفيما تكُـعُّـه في الثانية الواحدة، بل في الجزء منها جميع وسائلُ التواصل، وبما تتيحه نوافذ التلاقي، ويصنعه التقارب الفعّال، ذي القوة، والتجدد، والنمو في هذه الجزيئة من الوقت، تجد بيسر ما يؤكد أنّ لا تأنِّيَ أبداً، وأنّ حكمة المقولة ذهبت في طي العجلة، وسخونة الحركة، وهوائية الركض، وعشوائية الفهم، وهشاشة التركيز، والتنافس بدافعية الذاتية العالية التي مكَّنها الفرد في نفسه، وأعطى هذه الذاتية إشارة النزول في كل ساحة، والركض مع كل قافلة، والمجاهرة في كل حلبة..
والتصدي لهذا التسرع المفرط العام، يجعلنا لن نشفق على من سيبادر بدراسة هذه التظاهرة في المجتمع مع ثقل المهمة على كواهلهم، كما لن نكتفي بدراسات يكون مآلها اجتماعات الغرف الأكاديمية، أو البحثية، وقصر النتائج على مباحثاتهم المقتصرة بينهم، بل سنتوقع أن يبادر هؤلاء المختصون بوضع حلولٍ جذرية يكون من شأنها كبح هذا التسرع الحميم في سلوك الأفراد الذي لا يقف عند حدود دلق ما في جُعَبِهم من الكلمات، والجُمل في كل يم، ومع أية موجة، بل يمتدون لحركتهم البدنية في السكة، وعلى الرصيف، وعند الفرح، وفي حلقات الجدل، وعند مشاهدتهم حادثاً عارضاً، أو سماعهم جدالاً قائماً..
لتعود الرزانة، ويسود التأني
فالسلامة مطلب عام، وخاص..
والدِّربة على شروطها، واتقاء عقوبات التفريط في مصادرها، لهو من أوليات مطالب المرحلة..
ولعل أن تُحقق سيادة التأني، العنصر الرئيس في عصبة السلوك، المنبعث من قيم هي جزء من منظومة الأخلاق التي عرفناها، التي نقول معها لصغارنا ونحن نربي الواحد منهم:
اربأ بنفسك عما لا يعنيك، ولا تقل إلاّ ما تعلم، ولا تفعل غير ما في قدرتك..
ولا تنطق بما لا تعلم.