محمد آل الشيخ
أحد المسؤولين القطريين في بورصة الدوحة ظهر على شاشة قناة الجزيرة القطرية، وكان الهدف من ظهوره طمأنة المستثمرين القطريين والأجانب على أن أوضاع البورصة على ما يرام، بعد أن شهدت هذه البورصة خروج مستثمرين من الاستثمار فيها توجساً من غد مظلم، بعد أن استمرت مقاطعة الحلف الرباعي، وليس ثمة ما يشير إلى انفراج قريب، يُعيد أوضاعهم إلى ما كانت عليه قبل المقاطعة.
المسؤول، ولا أتذكر اسمه، غص بدموعه، وهو يطالب القطريين بأن يشعروا بقطر، وهو يرى الإحجام الكبير الذي اكتنف كثيراً من المستثمرين، وأدى إلى خروج الأموال من الاستثمار في البورصة، خوفاً، أو على الأصح هلعاً من تطورات المقاطعة، واحتمال أن يخسروا رؤوس أموالهم فضلاً عن أرباحهم، فبسبب هذه الانسحابات خسرت البورصة كثيراً من الأموال المتداولة فيها، ولم تفلح تدخلات حكومة الحمدين في طمأنة المستثمرين من خلال ضخ الأموال الحكومية فيها لإعادة الروح إليها.
الأوضاع الاقتصادية، وبالذات البورصات، هي أصدق المؤشرات التي يمكن من خلالها رصد ردود الأفعال على أي حدث سياسي، فالأرقام لا تجامل أحداً، وإنما تضع الحقيقة على بساط البحث، فيتمكن المحللون من معرفة رأي الناس الحقيقي بعيداً عن الضجيج الإعلامي الذي قد يُعطي مؤشرات خاطئة عن حقيقة الأوضاع في داخل هذه الدولة أو تلك.
نعم قطر دولة ثرية، والتعداد السكاني لأهل قطر متدنٍ، الأمر الذي جعل أهلها تقريباً أثرياء، غير أن هجرة الأموال إلى الخارج من قطر، بحثاً عن ملاذ آمن، سيستنزف بلا شك اقتصاديات الداخل القطري، ما يؤشر إلى ما لا يمكن المواطنين القطريين الإفصاح عنه، خوفا وهلعا من قمع حكومة الحمدين، التي لا ترعوي من أن تعاقب كل من سولت له نفسه انتقاد الحكومة، فضلا عن معارضتها، وقد تصل إجراءات هذه العقوبات إلى سحب جنسية المواطن المعارض.
قطر في وضعها الحالي بمثابة الإنسان الذي يأبى الاعتراف بمرضه ليتسنى علاجه، ويصر على ممارساته الحياتية الخاطئة، ويعاند، ويكابر، حتى تصل أوضاع مرضه من التفاقم إلى درجة لا يمكن بعدها من السيطرة على المرض. لذلك فإن السياسي المحترف لا يمكن أن تدخل مصطلحات مثل العناد أو الإصرار إلى قواميسه، فهو يصر إذا كان الإصرار من مصلحته، ويتراجع إذا شعر أن الإصرار من شأنه أن يكبده ما يضر بمصلحة بلاده. غير أن حكومة تنظيم الحمدين يتعاملون مع السياسة، ومقتضيات المصالح، بحمق ورعونة، فليس ثمة إلا العنتريات والمغالطات والكذب على الذات قبل الكذب على الآخرين. وليس لدي أدنى شك، ومهما كانت الخزينة القطرية مليئة بالثروات، التي يقولون إن أرقامها فلكية، فلن يستطيعوا أن يصمدوا إلى الأبد، خاصة وقد باءت محاولاتهم بتدويل قضيتهم بالفشل، ولم يجدوا من العالم إلا التجاهل، أو التعاطف بالكلام ليس إلا.
وكما قلت سابقاً، سترعوي قطر، وسترضخ مرغمة غير مختارة فالعزلة التي يعاني منها القطريون داخل عمقهم الجغرافي لا يمكن أن يتحملوها إلى الابد، كما ان (استرضاء) الداخل بضخ الثروات داخل السوق القطري، لا يمكن البتة أن يستمر النظام في ممارسته، خاصة وأن مستشاريهم من عرب الشمال، وعلى رأسهم «عزمي بشارة» لا بد وأن يكتشفوا في النهاية أنهم من ضلل الحمدين، وقادوهم إلى هذه العزلة الخانقة والمكلفة على كل المستويات. يقول الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم
فلا فلحوا ولا فلح الغرابُ
وهذا هو بالتمام والكمال وضع الحمدين الآن.
إلى اللقاء