خالد بن حمد المالك
بعد تسعة شهور على دخوله البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، أدرك الرئيس ترامب أنه ليس هناك مزيد من الوقت للانتظار بأمل أن يتراجع نظام إيران عن سياساته العدوانية، وإن إعطاء هذا النظام البغيض مهلة من الوقت سوف يساعده على بناء ترسانة من الأسلحة المتطورة لتكثيف نشاطاته في خلق جو من التوتر الدائم في المنطقة، معتمداً على اتفاق لا يلتزم به، ولكنه يمنحه القدرة على المناورة للإفلات من أي عقاب.
* *
فكان أن أعلن البيت الأبيض عن الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب حيال إيران، مرتكزة على عدد من العناصر الأساسية التي وضعت إيران في موقف صعب بعد فترة من الاسترخاء للتخطيط لأعمال إرهابية مستغلة الموقف الرخو للرئيس الأمريكي السابق أوباما الذي أعطاها كل شيء ولم يأخذ منها إلا الكذب ونكث الوعود وعدم الالتزام بالاتفاقيات والاستمرار في إنتاج الصواريخ والتدخل في الشؤون الداخلية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين والمملكة وغيرها على امتداد جميع دول المنطقة وخارجها.
* *
هذه الإستراتيجية سوف تضع حداً لكل ما كان موضع اتهام ثابت على عدوانية إيران، وسوف توقف النشاط الإيراني التوسعي في المنطقة، لكن الأهم في بيان البيت الأمريكي أنه فصَّل وتوسَّع في إيضاح ما تم رصده من تجاوزات إيرانية خطيرة ضد السلام والاستقرار في دول المنطقة والعالم، بما لا يتيح فرصة لأي دولة في التبرير والدفاع عن مواقف إيران المشبوهة، بل إننا نتوقع أن تنضم كثير من الدول إلى تأييد موقف الرئيس الأمريكي واستراتيجيته الجديدة، بما في ذلك موافقة الكونجرس وتضامنه مع ما قاله الرئيس.
* *
لاحظوا - وكما أشار بيان ترامب - أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعطي وبشكل مستمر الأولوية لتهديد المنظمات السنية المتطرفة على حساب التهديد ذي المدى البعيد للميليشيات المدعومة من إيران، وأن أمريكا ومن خلال قيامها بهذا الأمر تكون - بحسب قول الرئيس ترامب- قد أهملت التوسع المطرد لإيران عبر القوى الموالية لها وعبر الشبكات الإرهابية التي استهدفت إبقاء جيران إيران ضعفاء وغير مستقرين في محاولة إيرانية من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، مضيفاً إلى ذلك المحاولات الإيرانية مؤخراً في تسريع إنشاء هذه الشبكات المزودة على نحو متزايد بأسلحة مدمرة، وذلك في سبيل تأسيس جسر من إيران إلى لبنان ثم إلى سوريا.
* *
هكذا يرى الرئيس الأمريكي، بينما تأتي قطر ذات الأفق الضيق في نظامها لتطالب دول مجلس التعاون ببناء علاقات حسنة مع دولة بهذا التخطيط التوسعي الخطير على حساب مستقبل دولنا، لكن لحسن الحظ أن بيان الرئيس شدد على أن إدارته لن تكرر أخطاء الإدارة الأمريكية السابقة، وأن السياسة الأمريكية الجديدة حيال إيران ستعالج مجمل هذه التهديدات من الأنشطة الإيرانية الخبيثة، وستسعى إلى معالجة سلوك هذا النظام، كما أنها سوف تنجز هذه الأهداف من خلال استراتيجية تقوم على تحييد ومواجهة التهديدات الإيرانية.
* *
ولأن الحرس الثوري الإيراني هو الأداة والسلاح الرئيس للمرشد الأعلى خامنئي في إعادة صنع إيران كدولة مارقة - كما يصف ذلك بيان ترامب- وأن الهدف المعلن من تأسيسه هو تخريب النظام الدولي، فقد أكد ترامب بأن نفوذه وقوته تزداد مع مرور الوقت، دون أن يخضع للمساءلة من الشعب الإيراني لتبعيته المباشرة لخامنئي فقط، مضيفًا بأنه من الصعب أن يخلو صراع أو معاناة للناس في الشرق الأوسط دون أن يكون للحرس الثوري يد فيها، بما في ذلك تسليحه لبشار الأسد، وتوجيهه للقيام بمجازر ضد الشعب السوري، وتغاضيه عن استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية، كما سعى إلى تقويض المعركة ضد «داعش».
* *
إذاً نحن أمام دولة مارقة، لا تلتزم بالقوانين والمواثيق الدولية، ولها يد في كل مشكلة في المنطقة والعالم، والحرس الثوري قوة كبيرة، بفضل سيطرته على أجزاء كبيرة من الاقتصاد الإيراني، وتبعيته للمرشد الأعلى، وكمثال على دوره في خلق الصراعات في دول المنطقة، محاولته استخدام الحوثيين كدمى لإخفاء دور إيران في استخدام صواريخ متطورة وقوارب متفجرة لمهاجمة المدنيين الأبرياء في المملكة والإمارات، وتقييد حرية الملاحة في البحر الأحمر، وكل هذه المعلومات معروفة لدى الجميع من قبل، وقد ركز عليها بيان الرئيس للتأكيد على أحقيته في إدانة هذا النظام وإدانة الحرس الثوري.
* *
كان العنوان الأخير في بيان الرئيس الذي لم يترك شاردة أو واردة عن نظام إيران إلا وتحدث عنها، عن (البرنامج النووي الإيراني وخطة العمل الشامل المشتركة) وفيه أشار الرئيس إلى أن أنشطة النظام الإيراني قد قوضت وبشدة أي مساهمة إيجابية للسلام والأمن الإقليمي والدولي، فالنظام الإيراني له نمط مزعج من السلوك يسعى من خلاله إلى استغلال الثغرات واختبار حزم المجتمع الدولي، وأن الرئيس لا يمكن أن يتسامح مع هذا السلوك الإيراني، وأن الاتفاق على برنامج إيراني نووي يجب تنفيذه بشكل صارم، ويجب أن تعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الاستفادة الكاملة من سلطات التفتيش التابعة لها.
* *
إذاً نحن أمام عهد أمريكي جديد، يمارس الرئيس فيه سلطاته القوية، ودور بلاده في حفظ السلم والاستقرار في العالم، ويبتعد كثيراً عن السياسة الضعيفة التي كان عليها سلفه الرئيس أوباما، ما كانت تشجع إيران على المراوغة والتهرب من الاستحقاقات التي عليها، فيما أن الرئيس الخلف له رأي آخر، اتسم بالشجاعة والصراحة والموقف المسؤول، وترجم سياساته في هذه الاستراتيجية الجديدة التي صعقت إيران، وجعلتها في وضع الدولة المرتبكة أمام جدية وصرامة موقف البيت الأبيض.
* *
وسوف تكشف الأيام، أن إيران بدت وكأنها نمر من ورق، تقبل بإملاءات البيت الأبيض، وتستجيب لما قاله الرئيس، وتحاول أن تلبي ما يجنبها الضربات القاتلة، فالرئيس ترامب في إستراتيجيته جاد في تعامله مع مروق إيران من التزاماتها، وصارم مع محاولاتها التوسعية على حساب دول المنطقة، وكل سطر في بيانه يحمل تحذيراً غير مبطن بما يمكن أن يفعله إذا لم تتراجع عن سياساتها العدوانية، وتوقف نشاطاتها المشبوهة، وليس أمامها الآن من فرصة كما كان لها ذلك من قبل في الخداع والمناورة والكذب للهروب من تنفيذ الاستحقاقات عليها.
* *
موقف البيت الأبيض ينسجم مع ما كانت تتحدث به المملكة وتعلنه وتحذر منه في جميع المحافل والمناسبات الدولية، فهي أدركت مبكراً خطورة هذا النظام، ونهجه التآمري العدواني، وحذرت منه، وطالبت العالم بأن يتحمل مسؤولياته بهذا الشأن، وإذ تأتي الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب متوافقة مع ما كانت تطالب به المملكة، فقد كانت فرصة للرياض لتعلن مجدداً موقفها الحازم من النظام الإيراني بالتأييد لاستراتيجية الرئيس الأمريكي ترامب حيال إيران، ودعوة العالم إلى التعامل بحزم مع هذا النظام المارق.
* *
نحن الآن كما أفهم من بيان البيت الأبيض أمام تحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه إيران، بعد سنوات كان فيها الرئيس السابق يجامل النظام الإيراني ويلبي طلباته ويتودد له، بحجة أن هذه السياسة لاحتوائه، فيما أن نظام خامئني لم يتجاوب مع شيء مما اعتقد الرئيس السابق أنه يمكن أن يحدث اختراقاً للسياسة الإيرانية المتهورة، فقد بقيت طهران تأخذ ولا تعطي، وتمارس دبلوماسية المكر والخداع، دون أن تخاف أو تخشى من العقوبة والمساءلة عن جرائمها، معتمدة على رئيس أغراه الكلام المعسول والوعود البراقة، لكنه غادر البيت الأبيض ولم يحصل إلا على الوعود المخادعة من إيران.