عبدالعزيز السماري
من صفات التطور العمراني للمدن الكبرى أن يكون حولها ضواحي متطورة، والضاحية عادة ما تكون قريبة من المدينة الكبرى، ومهيأة للسكن، وتتوفر فيها عناصر الحياة المدنية، وفي مختلف مدن العالم لا تختلف مواصفات المدينة عن الضاحية، وذلك من أجل تخفيف العبء السكاني على شوارع وأسواق ومدارس المدينة، وفتح المجال للعيش خارج البيئة المزدحمة.
منذ وصلت إلى مرحلة الوعي في مدينة الرياض، والحديث لا يتوقف عن تطوير ضواحي العاصمة، وذلك من أجل تشجيع الحياة خارجها، لأسباب كثيرة، منها العامل البيئي والسبب الاقتصادي، وغيرهما، كان آخر هذه الخطط ما تم اعتماده المخططات الهيكلية المُحدّثة وضوابط التطوير للضاحيتين الشمالية والشرقية بمدينة الرياض..
على أرض الواقع لم يتغير الحال كثيراً، فالمطور لازال العقاري الذي يقوم بسفلتة رديئة للشوارع وتوصيل هوائي لأسلاك الكهرباء، بينما تغيب خدمات البلديات والمياه والأسواق والمدارس في ضواحي العاصمة، وهو ما جعل منها نماذج غير متحضر للسياحة خلف الجدران العالية.
عندما أتجول في بعض ضواحي الرياض تبدو لي في غاية التناقض لصورة الضاحية النموذجية، فهناك من استثمر أموالاً طائلة لبناء فخم في الضاحية، بينما اكتفى آخرون بتسوير أسمنتي مشوه وسواتر حديدية وخيمة تراثية لخدمة السياحة المغلقة خلف الأسوار، وبرغم تناقض النموذجين، إلا أنهما يشتركان في أن القمائم تتجمع خارج السور.
أزمتنا الحقيقية مع بعض الهواة التي تتبوأ بعض مناصب الخدمات البلدية، والهواية تعني غياب التخصص والخبرة في مهمات التطوير للخدمات البلدية، هو ما أدى إلى فشل خطط تطوير الضواحي لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وربما يعود ذلك لأنها تقع خارج أسوار المدينة، وهو ما يؤهلها لتكون حاوية لمخلفات البناء والقمائم..
قد تساهم العوامل البيروقراطية في شلل خطط التطوير، وهي متلازمة قديمة، فالمهمة قد تبدأ وتنتهي بإعلان القرار، ولكن يتعثر تنفيذه لأسباب بيروقراطية صرفة، وربما تتداخل بعض المصالح الخاصة، وهو ما يتطلب دراسة هذا المرض القديم، والذي كان ولازال سببا لتأخر المشاريع الكبرى في الضواحي.
كم أتمنى أن يتم اعتماد ميزانيات خاصة للخدمات البلدية في الضواحي في مختلف جهات العاصمة، وذلك من أجل تطوير حقيقي في خدماتها، وأن يشارك سكانها في التطوير العمراني، وفي توفير المتطلبات الحقيقية للحياة فيها كالمدارس والأسواق والمستشفيات، وأن تفرض عقوبات صارمة لمن يخالفون نموذج البناء في الضواحي أو يشوهون جمالها برمي مخلفات البناء في الأودية والشعاب.
ظاهرة الاستراحات العشوائية إحدى ظواهر الانغلاق في الثقافة المحلية، وتشوه الأمن الاجتماعي في الضاحية، ولابد من وضع قيود وشروط لإنشائها، ومراقبة استخداماتها، وينتشر هذا النموذج بسبب غياب المقاهي والأماكن المفتوحة، وتحاكي تلك الخصوصية الغريبة في المجتمع انغلاق العقل وميله للانعزال، فالإنسان اعتاد على الهروب من مواجهة الناس في المقاهي، واختار ثقافة المنفى في ظلمات الاستراحات الشعبية المؤجرة.
أثق كثيراً في قدرات إدارة وكوادر الهيئة العليا لتخطيط مدينة الرياض وأمانة منطقة الرياض، وقد يكون سبب تأخير تطوير ضواحي العاصمة ازدحام جدولهم العملي بمهمات لا حصر لها، وعدم كفاءة الجهات التنفيذية، وهو ما يستدعي ضرورة الخروج من المركزية في خدمة البلديات، وقد نستفيد من خبرات الدول المتطورة، وذلك من أجل أن نخفف العبء على العاصمة، وفتح الأبواب الآمنة للانتقال من ازدحام شوارع العاصمة إلى هدوء الضاحية. والله ولي التوفيق.