تقرير - محمد المرزوقي / عدسة - إبراهيم الدوخي:
واحدة من عجائب الدنيا السبع، في وقت قل أن تظهر فيه العجائب، بعد انطفاء وهج العجائبية التي كانت تبدعها ذراع الإنسان بما لديه من إمكانات متواضعة، ما جعل من تلك العجائب محفورة في تاريخ الذاكرة الإنسانية، مقارنة بالعصر الحديث الذي كثرت فيه العجائب «الصناعية» التي تنتجها يد الآلة، بدءًا من التعامل مع الذرة وانتهاء بـ»ناطحات السحاب» التي شيدتها أذرع الرافعات، وسواعد إلكترونية في منتهى الدقة دونما كلل أو ملل، ما أخفى عجائبية الإنسان خلف ستار التقنية، إذ تأتي الحدائق المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع إلى جانب الأهرامات في مصر، ومعبد ارتيمس في اليونان، وتمثال زيوس في اليونان، وقبر موسلوس في اليونان، وتمثال رودس في اليونان، ومنارة الإسكندرية. وقد أعادت بعض النقوش المسمارية ظهور الحدائق المعلقة إلى أكثر من 2500عام، إذ ورد في تلك النقوش وصف لقصر (سنحاريب) في نينوى الذي بني في عهد الملك الأشوري الذي عاش قبل نبوخذ نصر، بمائة عام، إذ وصف قصره بأنه قصر لم يضاهيه قصر في طريقة البناء، وفي طريقة زراعة الأشجار على رواقه المسقوف، بما يناسب أغلب فصول السنة لتظل خضراء مورقة، فيما تذكر بعض المصادر التاريخية -أيضاً- أن بناء الحدائق المعلقة يعود إلى زمن الملك البابلي نبوخذ نصر، 562-605 ق.م، الذي أراد أن يضاهي بأسلوب بناء قصره المتدرج تلال جبال فارس، وأن يتجاوز بجماليات حدائقه المعلقة، جمال ربيع مسقط رأس زوجته الفارسية أميتس الميدونية (سميراميس) التي كانت تعيش في أحد الأقاليم الجبلية الغناء ببلاد فارس، ما جعلها شديدة الكره لبيئة بابل، المقحلة، الحارة، الجافة، المنبسطة، إذ تم بناء الحدائق بأسلوب (الطبقات) التي تداخل فيها استخدام الرصاص والقار والجير والقصب، بتصاميم هندسية فائقة في طرق توزيع الأحواض، والممرات، وتوزيع الشلالات المائية التي تشير بعض المصادر إلى أن المياه كانت ترفع إليها عبر أنابيب لولبية يتم ضخ المياه عبرها من نهر الفرات، في مهمة يومية كان يقوم بها عبيد تم جلبهم للقيام بتلك المهمة.
لقد ارتبط ظهور العجائب المعمارية قديماً وحديثاً ارتباطاً (طردياً) بمستوى التطور الحضاري الذي عاشه أو يعيشه أي مجتمع من المجتمعات، ما جعل من بناء المدن، وما تعكسه تقنياتها الهندسية في الأشكال والتصاميم والزخرفة، شواهد على عجائبية تجسد تطور العمارة، وترف فنونها المعمارية، ما جعل من ظهور الحدائق المعلقة في الرياض، أحد شواهد التنمية الحضارية، وتطور فنون العمارة، ما يعكس توفر تنمية وتطورا شاملا تتكئ عليه ظاهرة التطور العمراني وفنونه المختلفة، ما يجعل من الحدائق المعلقة التي أخذت بالظهور في أبراج العاصمة، يسهم بمزيد من كسر رتابة الصورة البصرية، ويزيد من تحسين الصورة الجمالية، وبث الحياة في التصاميم الهندسية الإسمنتي منها والزجاجي الذي جعل من الأبراج تتخذ من حدائقها المعلقة أوشحة خضراء تطل من شرفات أبراج الرياض على عجائب الدنيا السبع القديمة، بصورة عصرية!