الشباب هذا الوهج المتوقد والطموح الذي يتجاوز الحدود ترعاه هذه البلاد ملكًا ووليَّ عهدٍ وتعقد عليه الآمال أن يكون على قدر التطلعات حاملاً لهذه المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقه وهو لها أهل مدركًا لما يدور حوله ويراد به.
آمنتُ بالنشء المؤهَّلِ جِيلا
ووضعتُ فوقَ جَبِينهِ إكليلا
ورأيتهُ حُلُماً جميلاً مقبلاً
ما زال يدأبُ في الحياة طويلا
حتى أطلَّ وفي النفوس تطلعٌ
فقضى الحقوقَ وحقَّقَ المأمولا
إن كان في هذا الزمانِ حقيقةٌ
فهي الشبابُ متى أراد وصولا
وإذا خشيت الحادثاتِ فإنهم
من رد حد الطامعينَ كليلا
وأعز ما أوعيتَ جيلٌ ناهضٌ
إن خفت يوما قلةً وعيولا
إيهٍ على جيلِ النبوغِ فإنه
لأحقُّ أن يشفي جوىً وغليلا
يتلمسُ الآمال يمسح جفنها
ويجسُّ منها رقةً وجفولا
عطفا على هذي القلوب فإنها
تبدو أرقَّ عواطفاً وميولا
أترى الشبابَ ولا تراه بأنه
ملأ الوجودَ مواهباً وعقولا
إن الحياةَ قوامها بشبابها
الممسكيه بأن يميل مميلا
طف في العوالم هل رأيت تفوقا
يأبى شباباً أو يريد كهولا
وتأمل الدنيا وأي حضارةٍ
تجد الشباب له الأيادي الطولى
يا أيها الجيل المشمرُ للذرى
والشائكات أمامه لتحولا
يتصفح الأفكار يغريه الجديـ
ـدُ ويكره التقييد والتكبيلا
ويضيق حتى ما تمر عبارةٌ
إلا ويوسع ربها تجهيلا
وتراه أوسع ما ترى متنوِّراً
يتقبل الآراء والمعقولا
عقدتُّ أيماناً عليك غليظةً
أن يرجع الظنُّ الجميلُ خجولا
كن مورقاً لا شيء أجمل أن تكو
نَ على اليبابِ حدائقاً ونخيلا
كن غيمةً مسَحت غبار عقولنا
لنرى الوجود مسالماً وجميلا
كن هزةً نثرت ركاماً مثقلاً
بالأمسِ حتى نستريحَ قليلا
كن أنت دآّباً وليس مهادناً
لليأسِ تنزعُ عن يديك قفولا
فالراحة الكبرى جزاء المدمنينَ
بيومهم عملاً وليس خمولا
كن نبضةَ القلبِ الدفيءِ بعالمٍ
ما زال يشكو أنة وعويلا
كن حنطةً قدَّت سمارَ وجوهنا
نقتات منها خبزنا المأكولا
كن رونق الصبح الجميل تفاؤلا
نصغي إليه ترنما وهديلا
كن قهوة العربيِّ كان مزاجُها
هيلاً تزيل مزاجنا المعلولا
كن أنتَ طفل براءةٍ لمَّا يخض
في الخائضين مزالقا ووحولا
كن أنتَ خفّاض الجناحِ لموطنٍ
ما زلت بين ضلوعه محمولا
كن أنت صوت الأمهاتِ ضوارعا
ألا تحسّ بنا البلاد جفيلا
كن أغنيات السفحِ مزمار الرعا
ةِ السمرِ ميَّلَ أنجماً ورمولا
كن أنتَ لا شيءٌ سيمنعُ أن تكو
نَ متى أردتَّ ولن يضير فتيلا
كن صوت نفسك لا صدى أو نسخةً
للغيرِ تلقفُ ساقطاً مرذولا
كن أي شيءٍ لا يهمُّ ولا تكن
متردداً أو محبطاً مخذولا
وأصخْ لناغية الجمالِ فإنما
من أجلها بعث الإله رسولا
وارسم لأرضك لوحةً عنوانها
عاشَ المليكُ مؤيداً وجليلا
فبه ننال من الزمان عنايةً
ألا نذوق نكايةً ووبيلا
من يمنع الأيامَ من وثباته
إن هزَّ يوما سيفه المسلولا
وأرى ولكن ما رأيت شبيهه
في عصرنا أو في القرون الأولى
أو ما ترى وطناً تظللَ كفه
حتى تهدل غصنه تهديلا
يا أيها الملكُ الأعزُّ بشعبه
ما كان طبع ولائه مدخولا
وعلى يمينك من بنيك مؤيدٌ
بالحقِّ أهدى حجةً وسبيلا
لا غرو إن درج الفخار بنفسهِ
إذ كان من شيخِ الملوكِ سليلا
وتوسمت فيه العروق نقية
كرمَ الأصول عمومةً وخؤولا
ولقد أدرت الطرف أرجو شبهه
أو من يدانيه فعز مثيلا
من كان عن حلُم الشبابِ وعن غدٍ
مستشرفين قدومه مسؤولا
يرمي بناظره البعيدَ وليس في
قاموسه هذا البعيدُ حصولا
وبنى فأعلى في الممالك دولةً
لا زال سوح بُناتها مأهولا
يا ضارباً من نفسه وحياتهِ
جمل الخلودِ تمثلت تمثيلا
فأقمتَ فينا والمسالك تلتوي
بالسالكينَ على المحجة جيلا
وحملت عنا العبء مضطلعا به
حتى ثنيت على الفرات النيلا
وأبنتَ إذ ولِّيت حكمة حاذقٍ
قد أحسن التجديد والتبديلا
يا ابن الذين بذكرهم وبقربهم
وبحبهم كان الضميرُ كفيلا
سقتُ القوافيَ قد عرتها رعدةٌ
حتى صددنَ من المهابة مِيلا
حتى إذا فزِّعنَ جئن ضواحكا
يسألن منك مودةً وقبولا
يا أيها الجيلُ النبيل رسالةٌ
كانَ السكوت بها عليَّ ثقيلا
إني أعيذك حاقدا متربصاً
بالسوءِ يرقب فرصة وعميلا
وأعيذ يومكَ أن يمس جنابه
قتر التحزّبِ أو يكون فصيلا
** **
- شعر/ خالد الغيلاني