عنوان المقال جزء من تغريدة سابقة للدكتور خالد الغنيم كان قد وجهها كرسالة للجميع عبر حسابه الشخصي بتويتر بعد قبول استقالته من منصب الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات السعودية وبعد تسعة أشهر فقط من تعيينه في المنصب من قبل مجلس الإدارة.
وفي نفس المناسبة والتوقيت، وجه الغنيم رسالة خاصة لمنسوبي الشركة عبر مركز التواصل الداخلي، قال فيها: «لم أكن في يوم من الأيام أقرب إلى رجال الاتصالات السعودية مما أنا عليه اليوم، ولم أكن في يوم من الأيام أشد ثقة برجال الاتصالات السعودية مما أنا عليه اليوم».
لو كان الرأي العام وبيئة العمل بالشركة تسير في الوضع الطبيعي لممارسة الأعمال في وقت التغريدة ووقت الرسالة، لما كانت تغريدة الغنيم تختلف عن التغريدات السائدة التي تحمل حكمة أو مثلاً أو حتى رأي شخصي، وكذلك لم تكن لرسالته التي وجهها لمنسوبي الشركة أن تتجاوز اعتبارها كنوع من رسائل الوداع والمجاملة الروتينية لكل مسؤول يغادر كرسي المنصب. بل كانت بالواقع، بنشرها وبتوقيت نشرها رسائل مهمة جدًا، تحمل مسؤولية إدارية كبيرة وقيمة أخلاقية أكبر فرضتها على الغنيم التزامه بالقيم الأخلاقية، ولم تفرضها عليه الواجبات المهنية.
الفساد وفوبيا الفساد والثقة أهم ثلاث كلمات تستوقفني في الموضوع. فالفساد له أوجه مختلفة، منها الفساد المالي أو الإداري أو الأخلاقي وغيرها من الأوجه المتعددة، والفساد موجود ولا يمكن إنكاره، وإن كان هناك درجات من التفاوات في نسبة وجوده من عدمه وفي تأثيره السلبي على الوطن والمواطنين. والدولة - أيدها الله - تحارب الفساد بكل حزم وبكل قوة، عبر عديد من الأجهزة الرقابية ولعل أشهرها حاليًا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة).
ويجب على كل من يعيش على أرض الوطن وعلى كل من ينعم من خيراته ألا يتستر أو يتجاهل أي حالة فساد واضحة وصريحة.
فوبيا الفساد أخطر من الفساد نفسه، فهي كالفيروس الذي ما أن ينشط، حتى ينتشر بسرعة رهيبة ويقضي على الماضي قبل أن يقضي على الحاضر ومستقبله. فأضرار فوبيا الفساد مدمرة على كافة المستويات، فوجودها في أي بيئة عمل تقضي بالمقام الأول على أهم الركائز والمتمثلة بالثقة والسمعة. فعدم وجود الثقة بين العاملين تحول بيئة العمل من التركيز على الإنتاج والتطوير إلى الحرص على الحماية الشخصية والشك بباقي العاملين، وتحول المرونة وتفويض السلطات، إلى البيروقراطية والتهرب من تحمل المسؤوليات.
فقدان ثقة الأفراد الناتج عن فوبيا الفساد بالجهات الخدمية والشركات التجارية يقضي على سمعتها، وبالتالي يجعل موقعها على الدوام في أسفل قائمة الخيارات وفي أعلى قائمة الانتقادات. ونتائجه الحتمية هي الخسارة، فالإيرادات ستقل بسبب العزوف عن خدماتها ومنتجاتها، والمصاريف ستزيد لمعالجة السمعة السيئة وتحسين الصورة واستعادة الثقة بالتدريج.
تغريدة ورسالة الدكتور الغنيم لم تكن للتنظير، بل كانت نتيجة لخبرة وأحداث حقيقية عايشها وعايشتها أنا شخصيًا خلال فترة عملنا السابقة، وجهها الغنيم مشكورًا كتنبيه وتحذير عن الخطورة الهائلة لفوبيا الفساد. وأنا بدوري أنقلها الآن للمسؤولين عن الرياضة والمسؤولين عن الإعلام في وطني، للفت انتباههم على ضرورة مكافحة فيروس فوبيا الفساد قبل أن ينشط وينتشر في المجال الرياضي.
ما دعاني لكتابة هذا المقال، واسترجاع المواقف والأحداث، والتثبت من المصادر والمعطيات، هو الملاحظ على عدد بسيط جدًا من أصحاب الرأي الرياضي المؤثرين، في طريقتهم السلبية عند تناولهم لقضايا شبهات الفساد الرياضة، التي قامت الجهات الرياضية الرسمية بالإعلان عنها وعن تفاصيلها وبوقت حدوثها بكل شفافية ووضوح وعبر جميع الوسائل الإعلامية التقليدية ووسائل التواصل الحديثة.
وختامًا أعيد التذكير بكلمات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- حينما قال خلال لقاء تلفزيوني معه: «أنا أؤكد أنه لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًا كان، أي أحد تتوفر عليه الأدلة الكافية سيحاسب». كلمات سموه تؤكد حزم الدولة في التعامل مع كل من ثبت عليه الفساد، عند توفرالأدلة الكافية. فالشك أو التأويل أو التحقيق بشبهة فساد، لا تعتبر من الأدلة الكافية على ثبوت الفساد، إلا عند من أصابه فيروس فوبيا الفساد.
** **
محمد الفرج - مسؤول الإعلام والاستثمار الرياضي بالاتصالات السعودية (سابقا)