استطاع تنظيم «داعش» في مقطع «يوتيوب» قصير تصل لحظاته إلى 7.37 دقيقة، أن يقنع متابعيه بما لم تستطع بعض أفلام هوليوود المتهمة بالعنصرية إقناع مشاهديها به تجاه نساء المسلمين وأطفالهم.
إذ أصدر التنظيم أخيراً فيلماً بعنوان «تعرية»، يظهر إعدام أسيرين روسيين بتهمة «الجاسوسية»، ويتولى إعدامهما بالمسدس طفل ينتمي إلى فرقة إعدام «داعشية» مكوّنة من الأطفال، وهو ما يعيد إلى الأذهان الجدل الذي أثاره الفيلم الأميركي «قواعد الاشتباك» (صدر عام 2000)، وأثار إشكالات عدة واتهامات بالعنصرية ضد العرب والمسلمين، إذ وجهت إليه اتهامات بأنه يحاول إثبات قضية احتجاجية مفادها أن كل طفل مسلم يظهر في ميدان المعركة فهو مسلح، وكل مسلح فهو غير مدني ولا أعزل، وبالتالي فالأطفال المسلمون في الميدان لا يُعتبرون مدنيين ولا عزّلاً. وفي الدقيقة 1.37.7، يظهر بطل الفيلم الضابط «سامويل جاكسون»، وهو مصدوم في المعركة الدائرة حول السفارة الأميركية في اليمن بمشهد طفلة صغيرة تطلق النار بالمسدس على جنوده، وعلى إثر ذلك يأمر الضابط جنوده بـ«مسح الأوغاد» الذين يطلقون النار، لتنتج من ذلك مجزرة كبيرة خلفت 83 قتيلاً من «الأطفال والنساء والشيوخ المسلحين».
اللافت في الفيلم الداعشي «تعرية»، الذي يبدو أنه صدر ليكون تجسيداً واقعياً يثبت تخيلات بعض الأفلام الهوليوودية الموصوفة بالتطرف، أنه لم يختلف كثيراً في تأصيله لعملية إعدام الروسيين المتهمين بالجاسوسية عن قواعده العقدية المعتادة في إعدام أيّ فرد أو جماعة يحدث بينها وبين تنظيم البغدادي عداء أو قتال أو خصومة، فعلى رغم اعتراف التنظيم بأن أحد الروسيين اللذين أعدمهما في الحقيقة مسلم، إلا أنه وصفه بالردّة تبعاً لكونه «يتعاون مع أعداء المسلمين»، مستدلاً لذلك بعموم السياق في آيات الولاء والبراء.
وفي سابقة من نوعها عبر جميع أشرطة الإعدام التي تبثها التنظيمات الإرهابية ظهر الروسي عبدالله أبوسليمان (30 عاماً) في فيلم «تعرية»، وهو يقرّ بتجسسه لمصلحة روسيا ضد «دولة البغدادي»، وبأنه تآمر لاغتيال أحد قادة التنظيم، معترفاً بأنه عندما فعل ذلك «ارتد عن الإسلام»، داعياً ومحذراً شباب المسلمين إلى أخذ العبرة منه وتجنب الوقوع في ذلك الكفر، وينتهي اعتراف عبدالله أبوسليمان بكفره وردته واستحقاقه القتل وتحذيره من ذلك، ليتولى «شبل الخلافة» المنتمي إلى «فرقة الإعدام» المكونة من الأطفال قتله هو ومواطنه الآخر بالمسدّس، وكأن هذا المشهد يمثل إعادة مكرورة متعمدة لقصص إعدام محاكم التفتيش لـ»الهراطقة» في أزمنة القرون الوسطى، إذ يعد من طقوسها الأساسية قبل الإعدام أن يسجل على الهراطقة شهادتهم واعترافهم على أنفسهم بالردة عن المسيحية، ثم يحذّرون الجماهير الحاضرة للإعدام من الوقوع في ما وقعوا فيه، ويطلبون منهم ومن الفرق الموكلة بإعدامهم بعد ذلك أن يصلوا لهم بعد إعدامهم من أجل خلاص أرواحهم.
** **
- عبدالواحد الأنصاري