د. جاسر الحربش
زيارة واحدة أو مشاهدة فيلم عن مختبر فيزيائي / كيميائي / بيولوجي في معهد أبحاث رُفعت عنه السرية من دولة متقدمة، كفيلة بجعل أي مواطن عربي يشعر بالاكتئاب والإحباط. الانطباع المتجرد من المكابرة والعناد سوف يؤكد أن العالم العربي والإسلامي يتكلم كثيراً عن العلم والبحث العلمي والتقدم، لكنه لا يفهم حقيقة مكانته ولا إمكانياته.
ما تقدمه القنوات الوثائقية ثم يصل إلينا متأخراً عدة سنوات، ولنقل كمثال عن استكشاف الكائنات الحية في أعماق ظلمة البحار المحرومة من الضوء والنور يصيب المشاهد بدهشة الطفل عند دخول مدينة ديزني لأول مرة. مشاهدة محطة أبحاث روسية أو أمريكية تعمل في أقصى نقطة متجمدة من القطب الشمالي أو الجنوبي لا بد أن تثير عند أبناء المجتمعات القانعة بتخلفها ذلك السؤال البليد المتكرر عن جدوى كل ذلك العناء والتعرض للموت في أي عاصفة ثلجية بسبب خلل في توليد الطاقة في المحطة، عوضاً عن منطق التساؤل كيف بنى أولئك الناس تلك المحطة الضخمة وكيف نقلوا المعدات وجعلوا المدارج للطيارات على الجليد المتجمد منذ آلاف السنين، وما هي طبائع العقول التي تترك نعيم المدن والأنهار والغابات في مجتمعاتها لتنقطع للبحث العلمي في عزلة جليدية تستمر أحياناً لسنوات.
الشغف بالمعرفة والتنافس والبحث عن العقول الموهوبة والتمويل السخي للعلوم قبل الاستهلاك العبثي من القطاع العام والخاص والتجرد للمعرفة بعقلية «العلم للعلم Science Ideology»، هذه المفاهيم ما زالت ضبابية وسريالية في العقل العربي والإسلامي، لمحدودية طموحاته وعدم إدراكه أو عدم رغبته في إدراك تخلفه عن طلائع الأمم.
يجب ألا نخدع أنفسنا، كل ما يعرض في أسواق وإعلام العرب والمسلمين من إنجازات صناعية أو علمية ذاتيه لا يعدو كونه غباراً علمياً مستورداً، يدور كما تدور الكويكبات المتناهية الصغر حول النجوم في الكون، أي حول المراكز الصناعية والعلمية خارج العالم الإسلامي والعربي.
تفحَّص كل الأدوية في المستشفيات والصيدليات، لكن لا تنخدع بجملة: صنع في الدولة العربية الفلانية أو الدولة الإسلامية العلانية. الأصل في الدواء هو اسمه العلمي، أي تركيبه الكيميائي الصيدلاني، الذي استغرقت مراكز الأبحاث الحقيقية سنوات واستثمرت الأموال والعقول للوصول إليه واختباره وإجازته، لتسوق حقوق تصنيعه للدول الأخرى. لا أعتقد بوجود مركب صيدلاني مهم ضمن المستعمل عالمياً تم اكتشافه وتسجيله وتصنيعه في دولة إسلامية أو عربية. هذا ما أسميه مشكلة ألا ندرك معنى التخلف العلمي الحقيقي.
الخروج من واقع التخلف يتطلب تطبيق مبدأ واشتراطات العلم للعلم وليس أي شيء آخر.