خالد بن حمد المالك
ليس ادعاء حين نقول إننا في دولة تبسط لنا عزّها، وتنثر أمام أعيننا رحيق أزهار حبها، وتصوغ لنا أجمل موسيقى نترنم بها، فهي خيمتنا، ومأوى أفئدتنا، والنور المشع في دروبنا، وإن زدنا قلنا إن حياتنا مرتبطة بعافيتنا على أرضها.
* *
لا ينكر فضلها إلا جاحد، ولا يتجاهل مصدر إلهامها لقوتنا إلا جاهل، فنحن بها أقوياء، ونحن بانتسابنا لها أعزة كرام، لا أحد ينافسنا على ما نحن فيه، أو يتمتع بما يتمتع به من هذه أرضه ومولده ونشأته.
* *
الأيام تمضي، دون أن نشعر بالملل من حبنا لها، أو التشبع من كل هذا الجمال الذي نراه فيها، فهي تزدان بملامحها كلما أمعنا النظر في قسماتها، وهي تملأ العين إعجاباً وراحة بال عندما نرسل نظراتنا إلى كل مفاتنها، ومصادر الإعجاب فيها.
* *
هذه هي المملكة، من خليجها العربي إلى بحرها الأحمر، ومن جبالها إلى سهولها، بمناطقها ومحافظاتها ومراكزها، وحدودها الممتدة من الخليج شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، فالشمال والجنوب والوسط، وحيث هذه المساحة التي تضاهي قارة، وتعادل مجموعة من الدول.
* *
ليس لأن فيها الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، وانطلاق صوت الإسلام يبشِّر الناس من أرضها المقدسة بآخر الديانات وبآخر الرسل، ولا لأنها بثرواتها الهائلة، وقيمها الروحية والاقتصادية، نحب هذه الأرض، ونمنحها كل هذه العاطفة، وإنما لأنها لهذه وغيرها كثير، هي الدولة التي لا تستحق دولة أخرى حباً وعاطفة جياشة كما هو الحب لهذه الديار.
* *
وعجبي أن يأتي من مواطنيها من يتنكر لكل هذا، وينكر عليها هذا الإرث الإسلامي والثقافي والاجتماعي، ويتصرف على نحو يجرد نفسه من حق المواطنة عن عمد أو جهل أو سوء تقدير، بينما تقتضي المواطنة منه أن يكون لسان حال كل جميل يجب أن يقال عنها.
* *
فما أسعد من يكون وفياً لها، حارساً لأمجادها، معبراً عن قيمتها وتاريخها، لا يتردد في الدفاع عنها، كلما كان هناك داع يستدعيه لذلك، فالإنسان بدون وطنه، يبقى شريداً أو طريداً أو تائهاً في صحراء الجحود وفيافي إنكار الجميل.
* *
الأسوياء وحدهم ممن لا يغيب الوطن الحبيب عن ذواكرهم، ولا يفكرون بغير دعمه ومساندته والدفاع عنه، إذ لا قيمة لإنسان بلا وطن، ولا معنى للحياة لمن فرط أو تآمر على وطنه، وإن كان هناك من يفعل ذلك، ويتصرف على هذا النحو، ولا يفكر بما هو أبعد من قدميه.
* *
هذه إيماءات من قبس مشع، ومن نور لا ينطفئ، ومن ضياء مستمر، لابد للأسوياء أن يتلمسوها، وعلى العقلاء أن يتمسكوا فيها، وما عدا هؤلاء فنقول لهم: الوطن باقٍ بقوته وتاريخه تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، وتحافظ عليه كما حافظ عليه الآباء والأجداد من قبل.