د. فوزية البكر
صادف الخميس الموافق 5 أكتوبر مناسبة الاحتفاء بيوم المعلم العالمي، الذي بدأت منظمة اليونيسكو الاحتفال به منذ عام 1994 احتفاء بتوقيع معاهدة حقوق المعلم بين المنظمة ومنظمة العمال العالمية عام 1966م. بهذه المناسبة أقامت كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض احتفاءها؛ إذ استضافت ستة من المعلمين من الجنسين ممن تحصلوا على جوائز تميز في حقولهم التربوية، سواء معلمين أو قادة أو مدربين.
حكى هؤلاء المحتفى بهم - وهم يستحقون - قصص نجاحهم التي كللتها عوامل ساعدتهم على التميز عن غيرهم، مثل الحرص على الإتقان، عدم الخوف من الفشل، تكرار المحاولة، القدرة على العمل ساعات طويلة، بنية جسدية وعقلية قادرة على تحمل الضغوطات، التنظيم في الوقت والواجبات، والرغبة في الإنجاز، إضافة إلى جرعة حظ حباها الله لهم في لحظة وجودهم في المكان والوقت المناسبَيْن.
وفي دراسة حديثة، أُجري فيها استفتاء في الولايات المتحدة على طلبة في مراحل التعليم العام عن أفضل خمس صفات يرون أنها تميز المدرس الجيد من وجهة نظرهم، احتلت قدرة المعلم على تنمية علاقات إنسانية مع طلابه المركز الأول، تلاها صبر المعلم ودرجة اهتمامه بطلابه مع التمتع بشخصية طيبة تعتني بهم. وجاء في المركز الثالث درجة معرفة المعلم بمراحل النمو العقلي والاجتماعي والعاطفي للتلميذ بما يمكِّن المعلم من فهم ما يستطيع الطلاب تعلمه في كل مرحلة من مراحل نموهم. أما الرابعة فأكدت مرة أخرى أهمية محبة المعلم مهنة التعليم التي تظهر في إخلاصه وعطائه ومعرفته العميقة بحقل تخصصه. أما الأخيرة فكانت قدرة المعلم على جعل تعليمه مثيرًا مهمًّا لطلابه، وأن يكونوا جزءًا من هذا التعلم عقليًّا وعاطفيًّا وأخلاقيًّا.
ولو تأملنا فيما ذكره معلمونا المحليون وفيما ذكره طلاب العالم حول أهم السمات التي تجعل المعلم متميزًا لوجدنا سمة عالمية، تربط المعلمين بطلابهم أينما كانوا، ألا وهي الحب. نعم، إنه الحب الذي يُظهره المعلم لطلابه، إنه الحب الذي يُظهره المعلم لمادته، إنه الحب الذي يُظهر إنسانية المعلم وحرصه على تلاميذه، وقدرته على تفهُّم مشاعرهم واحتياجاتهم في مختلف مراحل نموهم.. فهل أعطينا مفهوم الحب الحجم الذي يستحقه في منظومتنا التربوية، خاصة عند إعداد المعلمين أو تدريبهم أثناء العمل؟
باولو فيراري فيلسوف ومُربٍّ برازيلي مشهور حول العالم، وهناك مراكز بحثية قائمة في بعض جامعات الولايات المتحدة باسمه، مثل جامعة جنوب كارولينا حيث يقبع مركز ضخم للدراسات التربوية تحت اسم (مركز دراسات باولو فيراري)، كما توجد مواقع إلكترونية، تهتم بدعم وإشاعة فلسفته التربوية حول العالم.
تؤكد فلسفة باولو فيراري الذي تحدر من أسرة فقيرة، ثم اضطر لترك بلاده أثناء الحكم العسكري بعد سجنه تحت مسمى (مناهضة الحكم)؛ ليعود لاحقًا إليها مكرَّمًا ومعززًا وزيرًا للتعليم على فلسفة تسمى التحرير القائمة على تأكيد التدريس بالوعي والتبادل المعرفي بين المعلم والطالب، ورفض أساليب التعليم البنكية التي تفترض أن عقل الطالب مجرد حساب بنكي، تختزن فيه المعلومات، ويتم استدعاؤها لحظة الاختبار، بل يؤكد منهجه على تفاعل إنساني بين المعلم والطالب في بيئة نابضة بالحب والاهتمام، تولد الإبداع في الطالب بعقل واعٍ بما حوله من متغيرات، ويحققها المعلم عبر وسائل عديدة، أهمها - كما يرى فيراري - الحوار بين المعلم والطلاب الذي لا يمكن أن يحقق أهدافه إلا إذا تم في جو من الحب والإخلاص؛ إذ يقول: (الحوار لا يمكن أن يتم إلا في جو من الحب والشعور بالأمان. الحب موقف شجاع، لا يحفل بالخوف، ويعترف بحق الآخرين في الحياة، وهكذا إذا لم أستطع أن أحب العالم والحياة والناس فلن أقيم مع أي أحد أي نوع من الحوار أو التعلم، بل تصبح أي كلمات يلقيها المعلم في فضاء الصف الدراسي مثل فقاعات فارغة، لا تترك في عقل الطالب أثرًا).
أسألكم: كم من المرات شعرت بأن معلمك يهذي داخل الفصل بعبارات جوفاء، نسيتها حال خروجه؟ وكم هي المرات القليلة التي بقيت كلمات المعلم المحب والمحفز والملهم في عقلك حتى اليوم؟ العظماء فقط من معلمينا هم الذين أثروا فينا، وصنعوا منا أناسًا مختلفين، و(نحب) أن نتذكرهم في يومهم العالمي.
هل ستتذكرني أي من طالباتي؟ أتمنى ذلك.