عبدالعزيز السماري
يعيش العرب في أدنى معدلات الحضارة الإنسانية، لكنهم مع ذلك يشعرون بكبرياء وزهو لا يتفق مع أحوالهم الحضارية والثقافية، فالتخلف قاعدته صلبة في العقل العربي، والدليل على ذلك أنهم لا يدركون بعد أنهم في مستويات متدنية في مختلف قياسات التطور الإنساني.
تصل معدلات الأمية في العالم العربي إلى حوالي 27% من البالغين، أغلبهم إناث، بينما يتحول مفهوم الأمية خارج عالمنا العربي إلى عدم معرفة أساليب استخدام الحاسوب، ويرافق ذلك ضعف معرفي للمتعلمين منهم بسبب جمود طرق التعليم، والتي تستخدم وسائل غير حديثة في المناهج، بينما وصلت الشعوب المتقدمة إلى أن تتعلم وسائل البحث العلمي مبكراً في مراحل التعليم الأولية.
يصل مجال الإنفاق العسكري في الدول العربية إلى معدلات مرتفعة، بينما يكون البحث العلمي أول المتأثرين بأزمات الاقتصاد، وقد نستطيع الحصول على الإجابة الشافية بمقارنة سريعة مع ما تنفقه الدول خارج المنظومة العربية والأفريقية، فالبحث العلمي هو بمثابة العقل المفكر في جسد الوطن، فإذا ارتفعت كفاءته ازداد نشاط الوطن وإنتاجه..
تفتقر الدول العربية إلى قاعدة متينة في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتعتمد على الآخرين في الحصول على مصادره، كما تعاني شعوبها من فقر معرفي شديد بسبب عدم وجود قاعدة معرفية في مختلف العلوم بلغتهم العربية، وهو ما يعني أنّ لغتهم في طريقها للتآكل أو إلى أن تكون لغة للدين والأدب، وذلك أحد أهم أسباب الجمود في الفكر العربي..
من الآثار المترتبة علي بيئة التخلف هجرة العقول، بعد أن فقدت الأمل في إصلاح الحال العربية من أجل الوصول إلى بيئة تنافسية، لا تحكمها الإقليمية والمصالح الضيقة، ويساهم الفساد المالي والإداري في دفع العقول للهروب إلى الغرب من أجل فرص أفضل، ويُعَد ذلك خسارة اقتصادية كبرى، فالأوطان تضعف إذا فقدت عقولها المبدعة.
قال تقرير عن التنمية البشرية، صدر خلال السنوات الماضية، إنّ 70 ألفاً من خريجي الجامعات العرب يهاجرون سنوياً للبحث عن فرصة عمل في الخارج، في حين أنّ نحو 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية، بينما في الصين يعود 95% من المبتعثين إلى وطنهم بعد انتهاء الدراسة، وإذا لم يكترث أصحاب القرار بهذه التقارير ستخسر الدول العربية ثرواتها البشرية والمادية.
لا بد من التركيز على العلوم التطبيقية والصناعية وتأسيس جيل واعٍ ومختلف عن الأجيال السابقة، وأن تكون أهدافه الخروج من النفق وإيجاد الحلول لأزمات البيئة والمخاطر الطبيعية، مثل نقص المياه وتدني مساحات الزراعة واتساع بيئة التصحر، ومواكبة التطورات الكبيرة في الطاقة المتجددة..
لم نَعُد نحتاج إلى إعادة كتابة التوصيات الملحّة لمنع تدهور الحال العربية، فالوصفة الحضارية معروفة وتستدعي وقفة جماعية لوضع حدود للتدهور في مسارات التنمية، فالتصحيح الإداري ووقف المحسوبية، ورفع معدلات التعليم العالي وميزانيات البحث العلمي على رأس قائمة شروط النهضة، وإذا استمر نزيف العقول وإهدار طاقات الأجيال لن تتغير الحال العربية ..
على أمة العرب أن تتجاوز كبرياء التخلف، فهي صفة تتلازم مع الجهالة، وهي كما عبّر عنها شاعرهم الجاهلي، «جهل فوق جهل الجاهلينا..»