علي بن إبراهيم الحبيب
إن الأمر السامي الكريم القاضي بالسماح للمرأة بالقيادة من لدُنْ خادم الحرمين الشريفين، سعى في مرتبته الأولى إلى منح المرأة حق من حقوقها، والتي كفلها الله عز وجل لها، ومنحها ما يليق بها أمام العالم، إلى جانب الثقة بها بصفتها نصف المجتمع، ومنحها الحق المشروع في ذلك، بما يساعدها على أن تكُنَّ عونًا للوطن في ذلك، في مسيرة التحول والتنمية التي تشهدها المملكة العربية السعودية.
ومن هذا المنطلق اتّفق عدد من الفقهاء وعلماء هذه البلاد الطاهرة وعلماء الأمة والدعاة والمشايخ وأساتذة الفقه على أنَّ المجتمع السعودي مهيّأ تهيئةً شرعيةً لذلك وليس هناك أمرٌ محرم لقبول المرأة خلف عجلة قيادة السيارة، مشدّدين على أنَّه يلبي حاجة شريحة واسعة في المجتمع، ولا مخالفة شرعية فيه.
ففي هذه الأيام يضيف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إنجازاً عظيماً ومهماً وملهماً إلى سجل الإنجازات التي يحفل بها هذا الوطن والتي أصبحت تتوالى بصورةٍ متسارعة في عهده الميمون -حفظه الله- وذلك من خلال صدور أمرٍ سامٍ باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حد سواء، وبذلك حوّل -أيده الله - الحلم إلى حقيقة.
نعم لقد أدركت قيادتنا الفتية أن ما كان حلماً بالسابق أصبح حقيقة في الحاضر، كما أن هذه الدولة المباركة حارسة الشريعة تدرك بأن نصف مجتمعها الآخر في أمس الحاجة إلى ذلك الأمر السامي، وفي أمسِ الحاجة إلى ذلك الحلم خصوصاً مع الزيادة المطَّردة في حاجات الناس وتوسع مطالبهم المعيشية والزيادة المستمرة في أعداد السائقين من العمالة الوافدة والمنهكة اقتصادياً على كاهل الفرد في المجتمع السعودي، ناهيك عما يعتري هؤلاء من مشاكل جنائية على الأفراد داخل العائلة في المجتمع السعودي، فقد اتفق الفقهاء أن قيادة المرأة للسيارة ليست محرمة لذاتها، فالأصل فيها الإباحة.
وبالنظر إلى آراء بعض من المرجفين الغوغائين والذي لا يفهم ما جاء في اتفاق الفقهاء على الجواز فَهْماً علمياً صحيحاً فيقوده ذلك إلى الخروج عن حدود العدل والإنصاف، فيدعي أن الغالب من المفاسد من السماح للمرأة بقيادة السيارة أمر متحققٌ غالبا وليس ظنيّاً كما الظن في سائر أمور الدنيا وأن تحقق المفاسد أمرٌ لا مفر منه وأمرٌ يقيني، إن هذا الظن أخي القارئ الكريم لا ينتج إلا من ضعف الفقة بالدِّين والعلم بالتأويل، لأن المفاسد وإن وقعت بعضها من النساء عموما لا ينحصر تحت قيادة المرأة للسيارة، لأن خروج النساء من بيوتهن مطلقا تتحقق به مفاسد متيقنة في كل المجتمعات، وقعودهن في بيوتهن تتحقق به مفاسد أيضًا بمعنى أن الأمر غير متعلقاً بالقيادة مطلقاً، والرجال شركاء لهن في ذلك كله، وكل ذلك دائما ما يكون محل تصدٍ وحماية هذه البلاد والتي بدورها حارسة القيم وتضرب بيدٍ من حديد في سبيل كل من أراد الخروج عن القيم الإسلامية والأخلاقية المَقِيتة، وعند النظر إلى كل من قال بذلك وتعدى على علماء هذه البلاد المفتين بإباحة القيادة لم تكن نظرتهم للمفاسد الظنية التي روجوها بكافيةٍ للقول بالتحريم عند الفقهاء، وأنهم بذلك كالذي ينادي بأن صناعة الخمر من العنب أمرٌ متيقن وأن هناك من يصنع الخمر منه يقيناً، فعلينا أن نمنع زراعته ! فنقول له : أنه ليس هو الغالب من نتائج زراعته، فلا يجوز منع زراعته بمجرد حصول ذلك لمرات قليلة من فئةٍ خارجةٍ عن تعاليم الدين وتعمل بالخفاء، لذا لن يكون عدلاً قَطع دابر الفساد من منع وتحريم زراعة العنب منعًا مطلقًا وإلا لأصبح العنب بيعاً وتداولاً وزراعةً حراماً.
إن قرار تمكين المرأة من حق قيادة السيارة إنما يندرج في سياق مواكبة وتأطير هذه التحولات المذهلة والمباركة التي عرفها المجتمع السعودي في الأعوام الأخيرة والتي كان عرابها ولي العهد -حفظه الله-، باعتبار أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العربية شبابيةً ونشاطاً وانفتاحاً على العالم.
وإن هذا الأمر السامي يندرج في مسار الإصلاحات الاجتماعية المتواصلة في المملكة العربية السعودية، والتي بدأها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله - بتمثيل المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية منذ عام 2011م وقبله الملك سعود والملك فيصل في منحها حق التعليم.
هذا الأمر السامي في إعطاءِ المرأةِ حقَّها في قيادة السيارة جاء تحت مظلة شرعية حاملاً معه تأصيله الشرعي رامياً الى تحقيق المصالح الشرعية ودفع المفاسد المترتبة بالمنع، وبعد أن طال على شقائق الرجال هذا الموضوع جاء هذا الأمر من خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- ومعه صدق الوعد بالحزم والعزم في حماية الفضيلة بعد أمره حفظه الله بقانون الحماية من التحرش ومعه إنهاء حلم من سعى لتنال فتوى التحريم قدسيةَ التأبيد، وإن هؤلاء لا يعلمون أن الدولة حماها الله قد قامت بما هو أشد من السماح بقيادة المرأة وأصعب وذلك من خلال سنواتها المديدة، في العديد من القطاعات كقطاع التعليم العام فلم يعدُ هذا الأمر جديدا حتى واصلت هذه الدولة حماية العقيدة، وحرست الفضلية، وهو نهج الإمام العادل المسدد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه الملوك البررة الأًشْاوس حتى هذا العهد الغدق الزاهر عهد الملك المُجدد الكريم المبجَّل سلمان بن عبدالعزيز.
مزيدٌ من الإنجازات مزيدٌ من المجد مزيدٌ من العطاء في ظل القيادة الرشيدة أدامها الله.