د. أحمد الفراج
عندما انتخب الشعب الأمريكي الرئيس، دونالد ترمب، في مفاجأة من عيار ثقيل جداً، لم يصدّق المتابعون والمراقبون ما حدث، وذلك لأن الإستراتيجية التي اتبعها كانت غير مسبوقة، وهناك من شكك في نجاحها، خصوصاً عندما تخلّى عن لغة الساسة المعتادة، التي تتسم بالمراوغة، وتحدث بصراحة عمَّا يجبن كثير من الساسة عن قوله، وكذلك استخدامه لحسابه في تويتر، للتواصل مع الناخبين، الذين كانوا قد ضاقوا ذرعاً من المؤسسة الرسمية الأمريكية، وعلى استعداد للتصويت لمن يتحدث بلسانهم، ويقطع لهم الوعود، التي خذلهم فيها الساسة السابقون، وهو ما فعله ترمب تماماً، فقد اتسمت تصريحاته وتغريداته بالصراحة، وكان من نتيجة ذلك أن اتخذ الإعلام التقليدي، الليبرالي خصوصاً، موقفاً سلبياً منه، وما زال يحاربه، حتى هذا اليوم، في انحياز غير مسبوق لهذا الإعلام، الذي كان مضرب المثل في المصداقية والرزانة.
بعد دخوله البيت الأبيض، استمر ترمب في تبني إستراتيجيته أثناء حملته الانتخابية، والتي لا علاقة لها بنهج الساسة التقليديين، ولم يخضع لضغط الإعلام ولوبيات المصالح، ولا شك أن تعامله الحاد حيال انحياز الإعلام التقليدي ضده، زاد شراسة الأخير، خصوصاً منهم أيتام باراك أوباما وهيلاري كلينتون، فقد وصل انحدار طرح بعض البرامج السياسية درجات غير مسبوقة، وأنصح هنا بمتابعة برنامج المذيعة اليسارية، ريشال مادو، على قناة ام اس ان بي سي، إذ تخصصت بروايات من نسج الخيال عن الرئيس ترمب وعلاقته الخفية مع الروس، ولا تترك السيدة مادو شاردة أو واردة تخص ترمب إلا وتنبشها، ومع ذلك فشلت، هي وإعلام اليسار قاطبة، في إثبات أي علاقة لترمب بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
من خلال هذا الإطار الواضح للرئيس ترمب، أي النهج السياسي الصريح، الذي يجعل مصلحة أمريكا العليا فوق أي اعتبار، تعامل ترمب مع الاتفاق النووي مع إيران، والذي وصفه منذ البداية بأنه الأسوأ في التاريخ السياسي الأمريكي، أي أنه مجحف في حق أمريكا، وفي صالح إيران، وقناعة ترمب هذه، تجد لها مؤيّدين، لا في الحزب الجمهوري وحسب، بل حتى لدى بعض الديمقراطيين، فإيران أصبحت تتوسع في المنطقة، وتدعم التنظيمات الإرهابية، مستخدمة الأموال التي سلّمتها لها إدارة أوباما، بعد توقيع الاتفاق، إذ لم ينتظر أوباما حتى يتأكد من تنفيذ إيران لبنود الاتفاق، بل سارع إلى ضخ الأموال الإيرانية المجمدة بالطائرات إلى طهران، قبل أن يجف حبر التوقيع على الاتفاق! وبالتالي فإن ترمب رأى من واجبه، كمسؤول عن أمن الأمة الأمريكية، أن يسحب الثقة من هذا الاتفاق، ويعيده للكونجرس، وهو الإجراء الذي قد ينتهي بإعادة صياغته، بما يتواءم مع إستراتيجية ترمب الجديدة حيال إيران، أو إلغائه، وسنعرف ذلك في غضون ستين يوماً!