إبراهيم بن سعد الماجد
الحديث عن عناية الدولة السعودية بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, يبدأ منذ الدولة السعودية الأولى وحتى يومنا هذا.
ففي الدولة السعودية الأولى والثانية كانت العناية به من خلال التدريس وحلقات العلم التي كان بعض الأئمة من آل سعود يقوم بها لما يحملونه من علم شرعي يؤهلهم لذلك, ومنهم من كان يجلس مع أبنائه في حلقات العلماء ويسمع منهم.
أما العناية في عهد الدولة الحديثة فقد بدأت منذ عهد الملك المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله -، حيث كانت عنايته بتدريس القرآن الكريم والسنة النبوية ظاهراً من خلال الدروس العلمية التي تبدأ من بعد صلاة الفجر في مجلسه ومع بعض أبنائه وجمع من الناس, حيث يستمعون لكبار العلماء ويستفيدون منهم سواء قراءة للقرآن أو تفسيراً له أو شرحاً لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك في كتب الفقه والفرائض.
وجاء المشروع الكبير والعظيم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف, هذا المشروع العالمي الذي لم يسبق إليه لا في هذا العصر ولا في أي عصر سبق, ولم يقتصر هذا المجمع على طباعة المصحف فقط بل اعتنى بترجمة معاني القرآن الكريم وكذلك تفسيره, وتسجيله بأصوات مشاهير القراء.
واليوم يأتي مشروع عظيم وفي غاية الأهمية ألا وهو مجمع الملك سلمان لطباعة الحديث, هذا المشروع الأمة في أمس الحاجة إليه, لما حصل من أمور نالت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, تحريفاً وتشكيكاً وزيادة ونقصان, من بعض الفرق الضالة وأحياناً للأسف من بعض أبناء الأمة الذين تلوثت عقولهم ببعض الأفكار الفلسفية المنحرفة.
ولعلنا نلقي الضوء في هذه المقالة على مراحل تدوين الحديث النبوي الشريف لتتضح الصورة أكثر لدى القارئ الكريم.
(كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على استيعاب كل ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيق كل ما يأمر به، ورغبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصر الجهود والطاقات على حفظ القرآن الكريم واستيعابه وجمعه، وخشية أن يلتبس الأمر على بعض الصحابة - وهم حديثو عهد بالإسلام - نهى في بداية الأمر عن كتابة السنة النبوية، فقال عليه الصلاة والسلام: «من كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه».
ولكن في حالات أمن الالتباس عند بعض الصحابة سمح لهم بالكتابة: فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر، يتكلم في الغضب والرضا؛ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرجه منه إلا حق.
وفي حجة الوداع عندما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته الجامعة قال أبو شاه - رجل من اليمن - (اكتب لي يا رسول الله، فقال: اكتبوا لأبي شاه).
وكان علي رضي الله عنه يحتفظ لنفسه بصحيفة كتب فيها بعض أحكام الإسلام ومنها عقل الديات.
ولكن لم يتخذ الخلفاء الراشدون أي إجراء لكتابة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينها ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الأموية، حيث بلغت حدودها الصين شرقاً، والمحيط الأطلسي غرباً، والأناضول وأرمينيا وأذربيجان شمالاً، والمحيط الهندي جنوباً، كانت حاجة الناس للاطلاع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدة، ومن ناحية أخرى وجدت الفرق والمذاهب السياسية، والاجتهادات الفقهية، كل ذلك حمل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز إلى تدوين السنة النبوية رسمياً تحت إشراف الدولة..
فكتب إلى أمراء الأقاليم، أن يكلفوا علماء الشريعة وأئمة الدين في بلدانهم بجمع السنة النبوية من أهل العلم الموثوقين، وتدوينها، فتصدى أئمة العلم لتدوين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين مخصوصة [ومنهم محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب الزهري وهو من علماء التابعين وفقهائهم].
وكانت طريقتهم في التدوين جمع كل ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن وبيان شرائع الإسلام من العقائد والعبادات والمعاملات والغزوات والأقضية، ومن شدة حرصهم على تنقية السنة النبوية من أقوال التابعين حرصوا على الإسناد وقال قائلهم: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء وقالوا: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم..
المطلب الثاني: المرحلة الثانية:
بدأت هذه المرحلة في القرن الثاني للهجرة بوضع الكتب الخاصة في كل علم من علوم الدين، ووضعت كتب السنة مستقلة عن كتب الفقه والغزوات والتفسير، وبدأ التدوين التخصصي للعلوم.
ووضع أئمة الحديثة مناهج لكتبهم التي جمعوا فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجوا للناس ما عرف بالجوامع، والمسانيد، والسنن والمصنفات.
المطلب الثالث: أنواع كتب السنة النبوية:
كان لكل إمام من أئمة الحديث منهج في كتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من اشترط الصحة في الحديث الذي يدوِّنه، ووضع شروطاً للحديث الذي يحكم عليه بالصحة، كالإمام البخاري والإمام مسلم والإمام ابن خزيمة.
ومنهم من جمع الصحيح والقريب منه المنقول عن طريق رجال ثقات، ولكنه لم يتشدد كثيراً في قضية الضبط، فكان في كتابه الصحيح والحسن والضيف المقبول كأبي داود والترمذي والنسائي.
ومنهم من جمع كل ما وصل إليه من الحديث النبوي، ولم يتحر الصحة أو الحسن وإنما أراد أن يجعل كتابه جامعاً لكل ما وصل إليه بالسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: الإمام عبدالرزاق الصنعاني، وابن ماجه) - تدوين السنة النبوية - أ. د. مصطفى مسلم.
واليوم وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - يأمر بتأسيس هذا المركز العظيم لحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطباعتها وتوزيعها صحيحة نقية لأنحاء العالم ومن عاصمة الإسلام الأولى المدينة المنورة فإنما هو يؤكد على أن هذه الدولة المملكة العربية السعودية وهذه الأسرة المباركة - آل سعود - إنما هم خدام لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأن دولتنا ماضية في تمسكها بهذين الدستورين كتاب الله وسنة رسوله, وهذا أعظم رد على المشككين والمتطلعين إلى علمنة الدولة وتغريب المجتمع.
حفظ الله قائد الأمة وولي عهده وأعزهم بالإسلام وأعز الإسلام بهم.