علي الخزيم
ما أجمله من شعور حين تدمع عين المواطن الطيب وهو يرى أقدام رجل (مقيم) بإحدى محافظات الرياض تدهس نملة عابرة، كانت تسعى للبحث عن قوتها بشرف وعمل دؤوب لا يضاهيه عمل الداهس والمنتصر للمدهوسة. الداهس أعرب عن أسفه واعتذاره لفعلته الشنيعة غير المقصودة، وحمل النملة تبعات أفعالها حين اقتربت من قدمه الغليظة، وهو العامل الكادح الذي لا يهتم لتشققات عقبيه الحادة التي ربما تقتل الضب فكيف بالنملة؟! غير أن المواطن لم يأبه بأقواله، وتوجه للمحكمة رافعًا قضية ضد المقيم مرتكب الجريمة المزعومة، فرفضت دعواه؛ لأنه لا يملك وكالة من ذوي النملة. وهنا لمحة كوميدية من القاضي، صرف بها المدعي بلطف عطفًا على ما لمسه من مستوى إدراكه للأمور!
لكن هل الدافع للمدعي هو الشعور النبيل تجاه تلكم الحشرة المحطمة تحت قدم الإنسان؟ أم هي عوالق ذهنية وانطباعات مختزنة تجاه أي عامل وافد كادح في بلادنا، على اعتبار أنه مهيض الجناح لا ناصر له؟ هذا هراء؛ فكلٌّ يأخذ حقه هنا، ولا مجال لظلم إنسان أو غيره من المخلوقات على أرض المملكة أو سمائها. ألم يقرأ قصة سفاح القطط والحكم الشرعي الذي صدر ضده مؤخرًا؟! إنه العدل حتى للقطط السائبة؛ إذ وجدت لها نصيرًا بمملكة العزم والحزم. ثم لنتساءل: هل كان مثل هذا المدعي أو غيره ممن يتفقون معه بالرأي يرحمون عوائل الضب في البراري والقفار حوله، أم أنه أعتق الطيور المهاجرة العابرة للأجواء المحيطة من بندقيته وشباكه؟ أهي ادعاءات حسب الأهواء والأمزجة، أم فترة فراغ وجد فيها تفكهًا وتسلية مؤقتة؟ وسأكون في صفه إن كان ممن يلتفتون لأحوال الأيتام والأرامل والمعوزين ومن على شاكلتهم بقدر اهتمامه بدهس نملة أخطأت الطريق، وقادها حظها العاثر إلى أقدام لم ترحم ضعفها.
هذه القصة تذكرني بقصة مناقضة، ليست لصالح النمل، من مدونات لي، مختصرها أن رجلاً شحيحًا وجد حفنة من القمح قد انهالت على الأرض، فجمعها، ثم نثرها ليلاً أمام حظيرة لدجاجاته. ولأن الدجاج ملتزم بعدم الأكل ليلاً - خلاف البشر - فقد انقضت عليها كتيبة من النمل، ونقلتها لجحورها غير بعيد. ومع الفجر اكتشف الأمر؛ فارتفع ضغط دمه، وزادت ضربات قلبه حنقًا وأسفًا على حفنة القمح، وفكر هذا المقتر بحيلة يخلص بها القمح؛ فأحضر مرشًا للماء، وجعله كالمطر على مملكة النمل، فلم يلبث إلا سويعة حتى رأى النمل يخرج الحب لينشره خارجًا حتى لا ينبت. وهذا إلهام من الله لهذه الحشرة؛ فهي إما أن تخرجه للشمس أو تفلقه. وعند اكتمال العملية كانت دجاجاته قد أخذ منها الجوع مأخذه؛ فأطلقها نحوها فالتهمت القمح مع عشرات من النمل. وبعد أيام طفق يشرح لجلسائه ويحثهم على تذوق طعم البيض المفعم بخلاصة النمل! مؤكدًا أنها وصفة زادته إصرارًا على العمل وجمع المزيد من المال ونبذ الكسل.. فلعل هذا الرجل لم يكسب من بخله سوى التنمل. كان الله بعون (دجاجاته).