لا أتصورُ دولة تريد النهوض والالتحاق بركب الأمم المتقدّمة علميا، دون أن يكون بها وزارة للبحث العلمي. تهتمُ بالبحث العلمي وتأخذُ بيده إلى الأمام. فوزارة التعليم تشتمل على فرعين كبيرين هما قطاع التعليم، وقطاع الجامعات، وهي تركة كبيرة جدا، من الصعوبة بمكانٍ أنْ تجدَ وقتا لرسم الخطط والأهداف للبحث العلمي التطبيقي، فهناك آلاف المدارس، وأربعة وثلاثون جامعة حكومية ناهيك عن الجامعات والكليات الأهلية. ولذا، فمن المستحيل أنْ نطلب من هذه الوزارة أنْ تقوم بأعباء البحث العلمي، لا هي ولا الجهات الأخرى المختصة بهذا الجانب كمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وبعض الشركات الكبرى مثل أرامكو، لا تقليلا من جهود هذه الجهات الحكومية، ولا انتقاصا مما تقوم به، ولها الشكر والتقدير فيما قامت وتقوم به؛ ولكننا نحتاج إلى جهة حكومية قوية لا تقل عن وزارة، يتم تحت مظلتها رسم الخطط والأهداف للتقدّم العلمي الذي نصبو إليه.
ولنقف على مجهود الجامعات السعودية في هذا الجانب، فالأقسام العلمية في هذه الجامعات تقوم بالبحث العلمي (التطبيقي) الذي غالبا ما يتم وفق إمكانات الأستاذ الجامعي، الذي يوزع وقته وجهده بين التدريس، وبحوثه الخاصة بالترقية، وهي بحوث نظرية في الغالب حتى وإنْ كانت علمية (تطبيقية) وستجدُ طريقها للحفظ، في نهاية المطاف وتقتصر مهمة الشركات الكبرى لدينا مثل (سابك) على تمويل بعض هذه البحوث، والمسألة كلها تبقى حسب الحاجة، وحسب خطط الشركات التي تدعم الأبحاث التي تستفيد منها في نهاية المطاف. وهذا بتعبير أدق لا علاقة له بالبحث العلمي، الذي يُفرّغ له العلماء وتُنشأ له مراكز البحوث المختلفة والمتعددة، أمّا ما يحدث في أيِّ جامعة سعودية من بحوث علمية، فلا يُطبق منه إلاّ النزر البسيط. وللنظرُ إلى دول تقدّمت سريعا في مجال البحث العلمي، ككوريا، وإسرائيل، وماليزيا، وإيران، وسنجدُ أنّ هناك وزارات للبحث العلمي، وتحت مسميات مختلفة، وهناك آلاف العلماء في التخصصات المختلفة، يعملون في مراكز البحوث المتعددة، والتي عادت بالنفع على هذه الأمم، وجعلت منها دولا صناعية ومتقدّمة بامتياز. ونحن لا ينقصنا شيءٌ والحمد لله، فهناك المال، وهناك عقول وسواعد الرجال، وبقي التخطيط الذي نحتاجه في هذا الجانب.
إنّ الجامعات السعودية وبالنظر إلى ما قدّمته في العقود الثلاثة الماضية، لم تقدّم للنهضة العلمية في بلادنا ما يؤمل منها، في الجانب العلمي، لأنّ البحث العلمي عادة يجب أن ينتهي به المجال إلى التطبيق، أما بحوث هذه الجامعات التي تصلُ إلى التطبيق الفعلي والعملي، فهي نسبة ضئيلة مما يتم من بحوث وهي أقل من أنْ تُذكر. ولا أعتقدُ أننا سنطلب من أية جامعة سعودية ما لا تستطيع تقديمه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، فمعظم الأكاديميين السعوديين بها، كانت دراساتهم في فلسفة العلم لا في تطبيقه، ودراساتهم وتحصيلهم العلمي لا يرقى إلى مستوى البحوث التي نراها عادة تخرجُ من مراكز البحوث العلمية العالمية في المجالات المختلفة من العلوم، أمّا أبناؤنا المتميزون فهم عادة يُستقطبون من الغرب الذي يغدق عليهم بكرم فياض من أجل البقاء لديه، وهكذا نفرّط في النواة الأساسية لما يمكن أنْ نطلق عليه وزارة البحث العلمي. وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، كان هناك جامعته (كاوست) وكان هناك برنامجه للابتعاث، وأعتقد أنّه حان الوقت لميلاد وزارة البحث العلمي، لكي تساعد في تحقيق رؤية المملكة 2030، وليس هذا بالأمر الصعب، من قبل حكومة بلادنا التي تسعى لتحقيق كل تقدّم وازدهار لهذه البلاد.
** **
- د. سعد الثقفي