تحقيق - محمد المرزوقي:
أكد عدد من (الصم) لـ«المجلة الثقافية»، على أهمية دور وسائل الإعلام عامة، والإعلام المرئي (الرسمي) بصفة خاصة تجاه فئة الصم، وأن يكون للغة الإشارة عبر برامجها الحظ الوافر، الذي يواكب تزايد أعداد هذه الشريحة من المجتمع، بما يلبي احتياجات الصم المعرفية والثقافية والاجتماعية، وربطهم بخارطة الحياة اليومية محلياً وعربياً وعالمياً، رافعين شكرهم عبر «المجلة الثقافية» لمعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد، لحرصه على إضافة لغة الإشارة إلى نشرات الأخبار، مؤكدين على أهمية الشراكة (العملية)، من خلال وضع استراتيجية برامجية شاملة بدءاً بوزارة الثقافة والإعلام، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، وانتهاء بمؤسسات التعليم العام والجامعي، وصولاً إلى دعم (جمعية لغة الإشارة)، على مستوى التأهيل والتدريب، وإشاعة لغة الإشارة، عبر برامج التوعية، والدورات، وإشراك الصم في المناشط الثقافية المؤسسية.. إلا أن «مؤسسة الأميرة العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود الخيرية»، قدمت أنموذجاً لخدمة هذه الفئة من مجتمعنا، بإصدارها (قاموس لغة الإشارة السعودي)، انطلاقاً من دورها المجتمعي التنموي.. إضافة إلى «الحملة الوطنية لمحو أمية لغة الإشارة»، التي انطلقت تحت شعار (بيننا أصم)، مثال آخر على دعم هذه الفئة على المستوى التوعوي الوطني، ما يتطلب استمرار هذه الحلمة بشكل دوري في مختلف مناطق المملكة.
جهودنا لا تكفي!
رئيس نادي الصم سابقاً، محمد العمري، استهل حديثه لـ»الجزيرة»، قائلاً: نحرص عبر شبكة الإنترنت التعرف على ما يلبي اهتماماتنا، إلا أن العوائق لا تزال تحيط بميولنا وباهتماماتنا الثقافية، وخاصة مع الكتب، أو فيما يتصل بالمحتوى الثقافي الخاص بنا عبر شبكة الإنترنت، فنحن نبحث دونما نتيجة عن الكتب الخاصة بالإعاقة السمعية، وبلغة الإشارة، ما يجعلنا نبحث عن الذين يقدمون لنا الإبداع في مجالنا على مستوى المؤلفات المعرفية عامة، وفيما يتعلق بالكتب الأدبية والفنون الإبداعية بصفة خاصة، إلى جانب تعريفنا بما يدور ثقافياً في مشهدنا المحلي، وفي الساحة العربية والعالمية، خاصة وأن العالم اليوم يعيش حالة كونية صغيرة، إلا أننا مع ذلك ما نزال نعيش فجوة في هذا الجانب المعرفي والثقافي، وخاصة فيما يتعلق بجانب اللغات، وهذا ما نجده - أيضاً - فيما يتصل بالمؤتمرات والندوات الكبرى ومعارض الكتب التي لا نجد من يدعو ذوي الإعاقة السمعية لها، ولا من يترجم لهم ما يدور فيها من قضايا ومعرفة وثقافة من شأنها تنمية ثقافتنا وأن تجعلنا نعيش في حالة من الدمج (الحقيقة)، التي من شأنها أن تنعكس على بناء شخصياتنا.
تجاهل إعلامي!
أما مدرب لغة الإشارة سلطان المفرح، فقال: مما يؤسف له إلى جانب ما نجده من تجاهل دعوتنا إلى عامة المحافل الثقافية، أن الإعلام هو الآخر شريك رئيس في هذا التجاهل، الذي نتمنى عبر «المجلة الثقافية» في صحيفة (الجزيرة)، أن تكون دعوتنا مستجابة ومسموعة لدى وسائل الإعلام الأخرى، لما للإعلام المؤسسي من دور هام وحيوي في إيصال صوتنا، وخاصة أن مختلف شرائح ذوي الاحتياجات الخاصة من مكفوفين وغيرهم، وجدوا اهتمامات كثيرة ومتعددة مقارنة بنا نحن الصم، الذين ما زلنا نتمنى مشاهدة البرامج وما يدور من أخبار بلغتنا، مع أنني هنا أؤكد على أن «جمعية لغة الإشارة» سدت الكثير من الثغرات في هذه الجوانب، التي نعتبرها بداية دعم الصم، والطريقة «العملية» لدمجهم في مختلف جوانب الحياة اليومية، مؤكداً على أهمية تطوير مهارات لغة الإشارة، من خلال إعداد المعلمين، والمدربين، وعبر تقييم مرحلة دمج الصم في المدارس، وأهمية أن يكون لمعلم الإشارة معلم مساعد، يحقق الجودة المنشودة على مستوى مسارات التعليم، وعلى مستوى فكرة الدمج، مع الاهتمام بتطوير قدرات المعلمين والمدربين المهارية عبر برامج تدريبية مقننة، إلى جانب الاهتمام بوضع إستراتيجية لتطوير تعليم لغة الإشارة في الجامعات، وأن يكون هناك معيارية عالية في التعليم وفي برامج التدريب لخريجي لغة الإشارة.
تواصل بلغتنا!
من جانب آخر تحدّث الإعلامي صلاح المالكي، عن (وسائل التواصل الاجتماعي) وقدرتها على ردم هذه الفجوة، بإحداث حالة من التواصل المفتوح على أيقونات العالم، قائلاً: هناك مشاركات للصم عبر العديد من منصات التواصل الاجتماعي كـ»تويتر»، و»فيس بوك»، إلا أنه نشاط يظل محدوداً إذا ما قارناه بمتقني لغة الإشارة، وما يجدونه من محتوى مترجم بلغتهم مقارنة بما يحتاجون إليه، في ظل التدفق الكبير للمعرفة بمختلف أشكالها، ما يجعل من شبكات التواصل غير مهتمة بشكل عام عبر تطبيقاتها المختلفة بلغة الإشارة، مؤكداً في ظل كل هذه الظروف التواصلية التي تحيط بشريحة الصم، بأنها أشبه ما تكون بالتحديات التي لم تثن قدراتهم، ولم تحد من إصرارهم على تطوير إمكاناتهم التعليمية والمعرفية والإبداعية في مجالات عدة، مشيراً إلى وجود فرقة مسرحية خاصة بالصم قدمت وما تزال تقدم العديد من العروض المسرحية التي تمنى أن ترى النور من خلال المؤسسات التعليمية والتربوية والمهرجانات الثقافية، مختتماً حديثه بقوله: لدينا تعاون فيما بيننا كشريحة صم تعاون رائع، إلا أننا في الواقع ما نزال نحن من نطرق الأبواب للتواصل مع شرائح المجتمع المختلفة، وخاصة أن «الإعلان» عن المناسبات الثقافية والمهرجانات المحلية يهمل شريحة الصم، ما زاد من عزلتهم عن هذه المناشط.
غياب المؤسسات!
أكد المهتم بثقافة الصم محمد العجلان، على أهمية الشراكة «المؤسسية» بين سائر الجهات الثقافية والأكاديمية بما في ذلك الجمعية السعودية للثقافة والفنون، بقوله: على الجهات التعليمية والثقافية إشراك شريحة الصم من خلال برامجها الثقافية والمعرفية المختلفة، ليتم اندماج هذه الشريحة بشكل عملي مع مختلف فئات المجتمع من خلال توجيه الدعوات لهم، وعبر إشراكهم فيما يتم تقديمه من فعاليات، لما يمثله التواصل المعرفي والثقافي والإبداعي لهذه الشريحة من أهمية، مردفاً قوله: هاتان أهم إشكاليتين، ما زلنا نواجهها على المستوى المعرفي والاجتماعي، ففي الغالب قد لا يكون الأصم من أسرة جميعها صم، ما يجعل من كسر حاجز التواصل أمراً ليس بالصعب، خاصة في ظل وجود دورات لتعليم لغة الإشارة، وفي ظل تعود الأسرة على لغة الأصم وفهم احتياجاته، ما يجعل من عائق التواصل داخل المجتمع الصغير المتمثل في الأسرة مسألة لا تشكل لنا أي معضلة، لأن احتياجاتنا المحفوفة بالمصاعب والتحديات أشبه ما تكون متسعة الدوائر والصعوبة بقدر ما نحاول توسيع الدائرة الاجتماعية التي نريد أن نتواصل معها بشكل يحقق فعلاً لنا ما نطمح إليه من عملية الاتصال مع المجتمع من حولنا معرفيا وتعليميا وثقافيا، ما يزيد من عمق التواصل الاجتماعي والاندماج في المجتمع بشكل حقيقي، يجعلنا لا نختلف في ماهية التواصل والتفاعل عن مختلف شرائح المجتمع الأخرى.
مواهبنا في عزلة!
أما المصور (المحترف)، خالد البلوشي، فقد وصف الأسرة بأنها الخط الاجتماعي الأول، الذي بقدر ما يكون صلباً، كان بمثابة الجسر الأول الذي يصل الصم من خلاله وعبره للتواصل مع المحيطين بأسرة الأصم، موضحاً أن الأصم غالباً ما يكون دوره (إيجابياً) مع أسرته من خلال ما يقدمه لهم بقصد أو بدون قصد، لإكسابهم لغة الإشارة بشكل تدريجي، ما يعزز فهم الأسرة لابنها الأصم، وما يكسب أفراد الأسرة - أيضاً - لغة الإشارة دونما حاجة إلى دورات أو عناء، مضيفاً «البلوشي»: هذه إحدى الصور الإيجابية التي تبدأ انعكاساتها من خلال أسرة الأصم، وخاصة في ظل وجود جمعية للصم، ومن ثم شروعها في تقديم العديد من دورات (لغة الإشارة)، ومن خلال ما أصبحت تسهم به من تواصل مع العديد من الجهات الأخرى، لنقدم من خلالها بعض أنشطتنا المسرحية أو التشكيلية أو الضوئية وغيرها من المهارات التي يمتلكها الأصم، الذي لا ينقصه سوى المزيد من لغة التواصل والحضور عبر المجتمع من خلال مؤسساته الثقافية، التي بدورها تتحمل مسؤولية تقديم برامج تعنى بنا، وتزيد من اندماجنا في المجتمع، وتمنحنا الفرصة لتقديم ما لدينا من مواهب ومهارات إبداعية، لتزيد من تعزيزها في نفوسنا، وتعرف المجتمع من حولنا بما نملكه من قدرات، وتزيد من مد جسور التواصل مع المجتمع، لما تمتلكه المؤسسات من إمكانات، عليها أن تسخرها لخدمة كافة شرائح المجتمع، وفي مقدمتهم ذوي الاحتياجات الخاصة والصم وغيرهم من الشرائح المجتمعية.
ترجمة وحيدة!
كما أشاد محمد العمري، بما قدمته هيئة الإذاعة والتلفزيون من خلال توظيف لغة الإشارة في بعض النشرات الإخبارية، مؤكداً على أهمية لغة الإشارة فيما يتعلق بالجانب الإخباري بقوله: الاهتمام بلغة الإشارة في النشرات الإخبارية يأتي على رأس قائمة البرامج التلفزيونية الأخرى، لكون الأخبار من شأنها تزويد هذه الشريحة بالمعلومة وما يدور حولهم محلياً وعربياً وعالمياً، في مختلف مجالات الحياة اليومية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ورياضياً، وغيرها من معارف الحياة ومستجداتها اليومية، إلى جانب أهمية ترجمة العديد من البرامج الاجتماعية التي تقدم لنا ما يدور في المجتمع من قضايا تشكل الاهتمامات المجتمعية من حولنا، ما يعكس من جانب آخر مدى تقصير الإعلام المرئي في هذه الجوانب، الأمر الذي يجعلنا أمام فرصة ثمينة عبر «المجلة الثقافية» بصحيفة (الجزيرة) لإيصال صوتنا عبر وسائل الإعلام المرئية للالتفات لنا، نظرا لما أصبح يشكله أعداد هذه الشريحة في مجتمعنا، والذين بدورهم يعد الإعلام المرئي لهم أهم محتوى يعتمدون عليه في ما يقدم من برامج تساعدهم على فهم أنفسهم وقدراتهم ومجتمعهم بشكل أكبر، لأنه لا يمكن اليوم تصور فئة اجتماعية تعيش دونما وسائل إعلام، أو وسائل الاتصال، لأن عدم اهتمام وسائل الإعلام المرئي بلغة الإشارة، يعني أن هناك فئة اجتماعية معزولة عن المجتمع وعن العالم أيضاً.
ما بعد الدمج!
وفيما يتصل بدمج فصول الصم ضمن مدارس التعليم، ومدى ما تحققه لهم من تواصل فاعل مع المجتمع المدرسي، بوصفه أهم الدوائر الاجتماعية، لما يمثله من حدوث ظاهرة (التأثير والتأثر)، عبر مجتمع الرفاق، قال سلطان المفرح: على الرغم من دمج فصول الصم ضمن مدارس التعليم، إلا أن (معاهد الصم) تعد النموذج الأجود في تنفيذ العملية التعليمية لهذه الشريحة، مقارنة بعدة جوانب فيما يتم من عملية تعليم وتربية من خلال عملية الدمج، فيما أضاف صلاح المالكي قوله: هذه الخطوة بحاجة إلى مزيد من التقييم ومن ثم التقييم، الذي من شأنه من يزيد من شيوع فهم لغة الإشارة إلى حد «التواصل» الجيد مع هذه الإشارة، سواء من قبل هيئة التعليم في المدارس، أو من خلال الاهتمام بإشاعتها لدى عامة الطلاب، بينما أكد خالد البلوشي في هذا السياق على الاهتمام بنشر لغة الإشارة قائلاً: لا بد من إشاعة لغة الإشارة لدى عامة المتعلمين، لتمكنهم من التواصل مع فئة الصم داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، ما سيجعل فئة الصم فئة مندمجة بمختلف أشكال التواصل المجتمعي مع مجتمعهم بدءاً بالأسرة فالجيران وصولاً إلى المجتمع المدرسي والأكاديمي، ومن ثم اتساع الدائرة لتشمل شريحة كبيرة من المجتمع المحلي الذي نحن جزء منه، ومن الأهمية بمكان أن نتعرف على ما يدور في الحياة اليومية لنكون بذلك جزءاً من حراكها اليومي.