جاسر عبدالعزيز الجاسر
المتابع لما يجري في العاصمة الأمريكية واشنطن يتأكد من أن أمريكا -رئيساً وحزبي الواجهة السياسية «الجمهوريون والديمقراطيون» والكونغرس والأجهزة الأمنية المختصة من وكالة المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي- قد أعلنت الحرب على الإرهاب، الإرهاب بكل صوره، وليس الإرهاب المحدد من قبل مراكز وإدارة البحث لتحقيق أهداف وإستراتيجيات معينة، إذ كان التركيز سابقاً -وهو حصل في إدارات بوش الابن وأوباما- على الإرهاب المرتبط بالمليشيات المتطرفة السنية، والهدف كان استهداف الجماعات الأصولية التي تمثل المسلمين الأكثر عدداً، في ظل مسعى لم يكن خافياً، وخاصة من قبل إدارة أوباما، على استمالة الجماعات المتطرفة الشيعية.
هذا النهج الذي ظل سائداً طوال قرابة العقدين في طريقه للتغيير بعد أن تأكد للإدارات الأمريكية -وبالذات الأجهزة الأمنية والمخابرات- أن كلا الجماعات المتطرفة «السنية والشيعية» تعملان معاً، وأنهما يرتبطان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالداعم والمحرك الرئيس للإرهاب في العالم وليس في البلدان الإسلامية، إذ تأكد الأمريكيون -وبعد أبحاث ومتابعة طويلة- أن النظام الإيراني هو الداعم الأول والمحرك الرئيس للإرهاب، وأن هناك علاقات وثيقة تنظيمية ومالية وإستراتيجية بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة الإرهابي، وأن تنظيم داعش الإرهابي هو وليد التفاهم والتخطيط الإستراتيجي بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة. وكذلك بعد حصول إجماع على خطورة ما يقوم به النظام الإيراني من توجيه وإدارة للإرهاب الدولي بدأت الإجراءات الأكثر صرامة في مواجهة العبث الإيراني الذي يستهدف المصالح الأمريكية ومصالح الدول الأخرى بما فيها حلفاء أمريكا، سواء من الدول العربية أو الدول الأوروبية، وأولى تلك الإجراءات مواجهة أدوات نظام إيران الإرهابية من مؤسسات وأجهزة داخل إيران ومليشيات وأحزاب خارجها، وكانت البداية الحرس الثوري الإيراني الذي صنفته أمريكا كياناً إرهابياً، مما يترتب عليه حظر التعامل مع المؤسسات والأشخاص الذين ينتمون له، مع معاقبة الشركات الأمريكية وغير الأمريكية التي تتعامل معه.
الحرس الثوري الإيراني كانت البداية التي أفقدت قادة النظام الإيراني الكثير من تفكيرهم، وجعلتهم أكثر عصبية في التعامل مع الإجراءات الأمريكية التي ستحد كثيراً من تعامل الشركات الأوروبية معهم، والتي تصرفت بعضها بانتهازية، بعد أن تجاوزت هذه الشركات المبادئ الأخلاقية.
الآن جاء الدور على أذرع النظام الإيراني الإرهابية، والبداية مليشيات حزب الله اللبناني الذي تتعامل معه الولايات المتحدة الأمريكية ككيان إرهابي واحد، عكس الدول الأوروبية التي تتعامل معه تعاملاً مزدوجاً، إذ تقسمه جناحين: «جناح عسكري» وهو اصطلاح ملطف ومغاير للواقع فالذي تمارسه المليشيات عمل إرهابي وعدوان في سوريا والعراق ودول أخرى عديدة. و»جناح سياسي» يمثله عدد من أعضاء المليشيات يعملون كواجهة سياسية وحزبية في لبنان، وبدؤوا يقدمون بعض أعضائه في العراق وسوريا بهذه الصفة.
والذي يهم أمريكا حالياً -ودول عديدة أيضاً- هو إنهاء ازدواجية تصنيف مليشيات حزب الله في لبنان، فالذين يعملون في المجال السياسي اللبناني ممثلين للمليشيات إنما يفرضون أجندات النظام الإيراني بقوة وإرهاب مليشيات الحزب، ولهذا فإن أمريكا التي تريد وضع حد لهذه الازدواجية ستفرض إبعاد ومقاطعة ممثلي الحزب في لبنان وغير لبنان، سواء من يمثلونه في البرلمان اللبناني أو حتى الحكومة اللبنانية، وسوف تلجأ إلى نفس الأسلوب الذي اتخذته مع البنوك والمصارف اللبنانية، حيث منعتها من التعامل مع أموال وحسابات أعضاء حزب الله، وهو ما يترتب على لبنان التخلص من وزراء مليشيات حزب الله، وتقليص التعامل مع الحزب من قبل حلفائه من الأحزاب اللبنانية، وفي مقدمتهم حزب رئيس الجمهورية، لكي لا يصبح لبنان منبوذاً مثله مثل الذين يدورون في فلك النفوذ الإيراني.