ياسر صالح البهيجان
عندما يبني المطورون العقاريون وحدات سكنيّة بتكاليف مرتفعة، فإنهم سيعرضونها للبيع بثمن باهظ أيضًا لكي يستردوا ما أنفقوه إضافة إلى الأرباح المرجوّة، لكنهم سيصطدمون بواقع آخر، وهو عدم قدرة نسبة ليست قليلة من المواطنين على تحمّل تكاليف المساكن، لذا سيتجه المطوّر إلى الإحجام عن بناء وحدات جديدة، ما سيجعل حجم الطلب على السكن يفوق العرض، وسيستمر المواطن دون سكن يناسب قدراته المالية، وسيستمر كذلك المطور العقاري مكبلاً ودون رغبة في مواصلة البناء بسبب ضعف القوة الشرائيّة.
ثمة عاملان رئيسيان يحددان سعر الوحدة السكنيّة هما تكلفة الأرض وتكلفة مواد البناء، فعندما تنخفض تلك التكاليف فإن أسعار المساكن بدورها ستنخفض، وهذا ما تنبهت له وزارة الإسكان الماليزية في خططها لتوفير سكن للمواطنين الماليزيين، واتجهت إلى منح المطورين العقاريين أراضي غير مطوّرة داخل المدن دون مقابل، وأزالت عن مواد البناء الضرائب لكي تصل إلى المطورين بأسعار أقل، مشترطة عليهم أن يعرضونها للبيع بأرباح رمزية، وبذلك انخفضت تكلفة الوحدات السكنية إلى ما يقارب 30 بالمائة مقارنة بأسعارها السابقة، ومعها ازدادت نسبة تملك المواطنين للمساكن، وحقق المطورون أرباحًا معقولة حفزتهم على مواصلة التشييد.
وزارات الإسكان في الدول المتقدمة، لم تعد تعمل على طريقة القوائم والمنح، وإنما اتجهت إلى توفير عوامل تساعد القطاع العقاري على خفض تكاليفه، ليتمكن المواطن من التملك دون العودة إلى الوزارة، أو انتظار صدور اسمه ضمن مزايا السكن المدعوم. وأزمة الإسكان الراهنة تحتاج لتعاون أكبر فيما بين الوزارة والمطورين العقاريين لضخ وحدات سكنية بأعداد كبيرة في السوق وبتكلفة مناسبة دون تحديد أسماء المستفيدين، وسيبدأ القطاع في تصحيح نفسه تدريجيًا في ظل وفرة المعروض السكني.
من الضروري كذلك، توفير تنوّع في تصميم المساكن لتُطرح بأسعار متفاوتة تناسب شرائح اجتماعية مختلفة. هناك أسر لا تمانع من السكن في منزل من دور واحد ما دام بثمن أقل، ومنها من يفضل منزلاً من دورين بمساحة لا تتجاوز 150 مترًا، والبعض الآخر يريد سكنًا بمساحة أكبر حتى وإن زادت تكلفته، لذا فإن هذا التعدد في الخيارات يجعل المواطن ينتقي المسكن المنسجم مع قدراته المالية، بدلاً من أن يجد نفسه مجبرًا على شراء منزل بمواصفات واحدة، قد تلبي احتياجات غيره لكنها تفوق احتياجاته، ومن شأنها أن تستنزف مدخوله المالي دون جدوى.