د. محمد عبدالله العوين
يقتل السم - أحياناً - من يصنعه!
هكذا هي القصة باختصار؛ فلما خرج فعل التنظيم الإرهابي عن المحيط الجغرافي المحدد له كي يشعل فيه الفوضى والانقسام والخراب لينتج - كما توهم المخططون الأغبياء - فوضى خلاقة؛ حين أدى دوره أو شيئاً من دوره في المنطقة - كما أريد له - إزهاق أرواح وسفك دماء وتشويهاً وتكريهاً للإسلام، وطمح التنظيم أن يتمدد إلى عواصم العالم قيل له: يكفي!
لقد حانت ساعة وأده؛ حانت بعد أن أشعل المنطقة وأثار الفوضى واستجلب القتلة السذج والمرتزقة وحتى المكلفين من الملل والديانات المختلفة، واستجلب معهم أيضاً الجيوش الجرارة بحجة مقاومتهم واجتثاثهم من مناطق الصراع في العراق وسوريا.
ها هو التنظيم الإرهابي يضرب ضرباً في مقتل من القوى المختلفة؛ بل من قوى كانت تحميه وتستخدمه وتنسحب له من مدن وقرى ومراكز وثكنات عسكرية؛ كقوات بشار التي غضت الطرف عن احتلاله مدينة الرقة وغيرها، وتركيا التي سمحت للتنظيم بأن يتخذ من مطار إسطنبول والحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا معبراً لمرور أفراده الذين تقاطروا عليه من كل حدب وصوب، ثم سمحت له أن يحتل ويدمر مدينة «كوباني» تدميراً كاملاً؛ إنابة عنها بقتال الأكراد والانتقام منهم، وقوات سوريا الديمقراطية التي اغتنمت فرصة قرب هزيمة التنظيم فأعادت تموضعها في المناطق التي تمدد فيها برضاها حيناً وعلى كره منها حيناً آخر؛ فأقدمت على احتلال «الرقة» والتمركز فيها رغماً عن الأتراك الذين كانوا يعدون العالم بأنهم من سيحررها من الدواعش، ورغماً عن بشار الذي يوحي في إعلامه أن ثمة تنسيقاً وترتيباً معمولاً مع الأكراد السوريين، ومن قبلهم كلهم الخائن العميل الرخيص نوري المالكي الذي سلَّم الموصل للدواعش بعدتها وعتادها وأموالها وذخيرتها التي كفت التنظيم سنوات وأمدته بالقدرة على الصمود إلى قرب السقوط!
لا شك أن ثمة مؤامرةً دُبِّرتْ ومُررت ونُفذت كما كان يحلم به المتآمرون «إيران وقطر وبوش الابن وأوباما»، سيول متدفة من الدماء وأمواج متدافعة من المهجرين والهاربين، ومدن ممسوحة من الوجود وتغيير ديموغرافي كامل للسنة في العراق وسوريا، ينتهي دور «داعش» بعد انتهاء كل هذه الفصول المأساوية وتحقق غاية التشكيل الجديد للبلدين المذكورين وفق الخطة أو وفق ما تحقق منها بحسب الممانعة القوية التي أظهرها شرفاء المنطقة العربية والمخلصون من قادتها وأبنائها؛ كالمملكة ودول الخليج العربي - باستثناء قطر التي كانت أحد أدوات تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة - المزعوم.
ها هو التنظيم الإرهابي يُنحر بيد من صنعه وينتحر بيده أيضاً، ولم يبق له من مقر إلا مواضع صغيرة يلجأ إليها بعد كل مطاردة، وسيتم القضاء عليه في الأسابيع القريبة القادمة قضاءً مبرماً، وقد ذهب جريرة الانخداع بشعاراته آلاف من البشر تقاطروا إليه من ديار العرب والمسلمين ومن بقاع العالم كافة.
ذهب ضحيته مغفلون وسذج، وراح ضحيته آلاف من الأتباع وقوداً للنيران الملتهبة كمنتحرين ودون أن يدفعهم إلى حرائق التنظيم دافع إلا جهلهم بقيم وأحكام الشريعة السمحة وعدم معرفتهم الحقيقية بالفرق كالخوارج وتاريخ نشأتها ومن وراءها وما أحدثته من جراح في جسد الدولة العربية الإسلامية الأولى إبان عهد الخليفتين الراشدين عثمان وعلي - رضي الله عنهما - وفي عدد غير قليل ممن التحقوا بالتنظيم سذاجة وبراءة فطرية، فقد نشأ بعضهم في عائلات متدينة وبيئة إسلامية طيبة فكانوا أقرب إلى الإنصات لمن يتحدث باسم الدين أو يستشهد بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية حتى ولو ساقها المتحدث إلى غير المواضع التي يستدل بها عليه، فيصغون السمع لمن يظهر حرصاً على الأمة أو يدعو إلى قتال من ضامها، ولكن يغيب عن وعيهم السياسي القاصر إدراكهم الغايات الخافية خلف تلك الدعوات، فيسرق منظرو التنظيم ألباب الشباب المراهق بمثل هذه الدعوات ويستقطبونهم عن طريق الإنترنت أو حتى اللقاءات الشخصية في الخلوات، ثم يذهبون بأقدامهم كالمسحورين إلى المحارق!
يتبع