ناصر الصِرامي
في سلسلة مقالات سابقة كتبت عن غباء شركات الاتصالات العربية، ثم أتبعتها بمقال آخر عن موت شركات عالمية كما كنا نعرفها.
وقبل عام تقريباً نشرت مقالاً عن موت شركات الاتصالات واقفة أمام التحول التكنولوجي المختلف والهائل، وتناقص أرباح شركات الاتصالات التقليدية، مع تراجع الحصة الأهم في عائداتها، اليوم تستطيع التحدث والإرسال عبر أكثر من جهاز في الوقت ذاته، وأكثر من خادم، واستعادة كل البريد الإلكتروني، وكل والرسائل النصية والصور والأصوات والفيديوهات والأرقام والمفضلة...الخ. دون أي قيمة لموقعك الجغرافي، صحيح أن شركات الاتصالات تملك خطوط الإنترنت، لكن هذا أقل حظوظها من العائدات التي تتقلص باستمرار..!
الشركات العملاقة في التقنية والاتصالات والخدمات، ليست شركات اتصالات بالمناسبة، هي أسماء معروفة مثل (أمازون، قوقل، مايكروسوفت، فيسبوك الخ)، التي تمتلك بيانات متقدمة، بعد أنفقت مئات الملايين لبناء مراكز بيانات كونية وتطبيقات تنقل النص والصوت والصورة والفيديو.وربما الإنسان قريباً!
استعير اسم شركة «الاتصالات السعودية» في العنوان لأنها الأكبر والأبرز وصاحبة أكبر بنية تحتية في البلاد، هذا من جانب، من جانب آخر وبعد عام من نشر ذلك المقال، استمتعت وسمعت حديثاً جميلاً هذا الشهر من خالد بن حسين البياري، الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات السعودية، في حوار مفتوح مع إعلاميين سعوديين شحنت بعضهم الشركة لدبي لحضور معرض التقنية الأشهر في المنطقة -جيتكس-، أخبرنا الدكتور خالد عن رؤية متميزة تتسم بالوعي لحقيقة تغير هذه الصناعة، الاتصالات السعودية كما يراها الرئيس التنفيذي، تؤكد موت شركات الاتصالات التقليدية، قال لنا، بعد سنوات من الآن، خمس سنوات بالحد الأقصى ستصبح شركة الاتصالات السعودية شركة محتوى وتقنية متخصصة بالأمن الإلكتروني، الشركة كما فهمنا ستغير ثوبها وستذهب لاستثمارات في المحتوى الإعلامي والترفيهي والخدمي، وستركز أيضاً على الإبداع التقني، إضافة إلى أمن المعلومات واستضافتها.
لم يعد هاجس شركات الاتصالات التطبيقات التي تحصد المزيد من عوائدها التقليدية الضخمة، تطبيقات تخترق حصانتها الأمنية أو تسحب من عائداتها على الخدمات التي تقدمها، هذه أصبحت واقعاً.
في الماضي القريب جداً، كانت فكرة نهاية شركات الاتصالات تبدو إمكانية شبه مستحيلة لدى البعض، لكن ها هي الشركات نفسها تدق ناقوس الخطر وتستعد لمرحلة تحديات جديدة لتقاوم الدخول الأخير إلى غرفة الإنعاش، كما حدث مع صناعات وقطاعات عدة، إنه حركة التاريخ وطبيعة وضريبة التطور التقني المتسارع، فالكثير من ذاك النمو لشركات الاتصالات تراجع اليوم مع انطلاق التطبيقات المنافسة والتقنيات الجديدة التي تجاوزت عقبات تقنيات وبنية الاتصالات التحتية، وتجاوزت الجغرافية الوطنية أو الإقليمية.
قلت: مع الوقت تصبح خيارات شركة الاتصالات محدودة، ومرحليًّا أمامها خياران لا ثالث لهما: إما القفز الآمن الآن، عبر تبني أساليب إدارية وتكتيكية أكثر قربًا للإبداع والمغامرة المحسوبة بروح مستقبلية. أو الانتظار وحسب المتبقي من الأرباح قبل إفلاسها وتلاشيها نهائيًّا..!
وما أخبرنا بها الرئيس التنفيذي لـ«الاتصالات السعودية» عن تحول الشركة من شركة اتصالات إلى ما هو أشمل، إلى المستقبل أمر مشجع للغاية، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى مسرعات ومحفزات تحقق هذا التحول عاجلاً غير آجل، وهو أمر ممكن في ظل القوة الإدارية والكفاءات الشابة السعودية المميزة التي تعمل في مفاصل هذه الشركة دون استثناء.