فضل بن سعد البوعينين
خلال زيارته الأخيرة لروسيا؛ واستقباله أعضاء مجلس الأعمال السعودي - الروسي؛ أكَّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ أن المملكة تتطلع إلى مشاركة الشركات الروسية الرائدة بفاعلية للدخول في الفرص الاقتصادية التي ستوفرها رؤية المملكة 2030 وتعزيز الشراكة الاقتصادية وبما ينعكس إيجابًا على القطاع الخاص في البلدين؛ الذي توليه المملكة الرعاية الكاملة. لم تكن تلك الرسالة خاصة لروسيا دون سواها؛ بل هي رسالة تم توجيهها إلى الدول الصناعية الكبرى ذات الملاءة المالية والخبرات الصناعية والتقنية ومنها الصين واليابان على سبيل المثال لا الحصر.
فبرامج الإصلاح الاقتصادي المؤطرة برؤية 2030 باتت تعتمد في أساسياتها على الاستثمار كمحرك رئيس للاقتصاد؛ وهو ما يحتاج إلى شراكات عالمية واستثمارات ضخمة قادرة على التعامل بكفاءة مع الفرص الاستثمارية المتنوعة في جميع القطاعات الاقتصادية. تحول الفكر التنموي المحلي؛ سيسهم في خلق فرص كثيرة ومتنوعة ربما تفوق قدرة الحكومة أو القطاع الخاص المحلي على استثمارها؛ وخصوصًا أن بعضها يحتاج إلى خبرات عالمية لا يمكن العمل دونها؛ ما دفع بصندوق الاستثمارات العامة لتولي دور المحفز للشركات والمستثمرين العالميين القادرين على التعامل بكفاءة مع الفرص الاستثمارية الضخمة التي تشكل بعض الأهداف الرئيسة للرؤية. لم يتوقف دور الصندوق على الدخول في استثمارات نوعية خارجية متوافقة مع أهداف الرؤية؛ وضخ استثمارات في مشروعات محلية ضخمة تشكل نواة لقطاعات اقتصادية واعدة؛ بل تجاوزها إلى التسويق للمشروعات المحلية؛ واستكشاف متغيرات الاستثمارات العالمية وبما ينعكس إيجابًا على إستراتيجية الصندوق الاستثمارية الحالية والمستقبلية؛ من خلال مبادرات فكرية؛ وملتقيات نوعية لقادة الاستثمار في العالم؛ والمفكرين الإستراتيجيين والمهتمين بشؤون الاستثمار القادرين على رسم صورة بانورامية لكل ما له علاقة بالاستثمار في وقتنا الحالي والمستقبل المنظور.
أجزم أن إطلاق صندوق الاستثمارات العامة لـ «مبادرة مستقبل الاستثمار» واستقطاب متحدثين ومشاركين يديرون أضخم المحافظ الاستثمارية والصناديق السيادية في العالم سيسهم في تحقيق مكاسب متنوعة للمملكة ليس في القطاع الاستثماري فحسب؛ بل في مجالات لا تقل أهمية عنها ومنها الجوانب السياسية والإعلامية والتنموية والإستراتيجية.
والمعروف أن الاقتصاد بات محركًا للسياسة؛ وممهدًا لتقريب المواقف؛ في الوقت الذي يسهم فيه القرار السياسي في تدفق الاستثمارات الباحثة عن الأمان أولاً والعوائد المجزية ثانيًا. رعاية خادم الحرمين الشريفين للملتقى؛ وحضور سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للجلسة الافتتاحية خير دليل على وجود الدعم الكامل للاستثمارات الأجنبية والرغبة في تمكينها من الفرص المتاحة وبما يحقق المصالح المشتركة؛ ما سينعكس إيجابًا على الجوانب التنموية المرتبطة بقطاعات الاستثمار المستهدفة. حضور هذا العدد الكبير من قادة الاستثمار في العالم سيسهم في تسويق اسم المملكة عالميًا؛ كحاضنة آمنة للاستثمار؛ وسيغير الكثير من الصور النمطية التي تسبب أعداء الأمة في نشرها عن المملكة.
وفي الجانب الإستراتيجي؛ أعتقد أن إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة ورسم إستراتيجيته الجديدة تحتاج إلى كثير من العمل والجهد والاستشارات المتقدمة؛ وأحسب أن خلق الصندوق لمنصة تتيح لقادة الاستثمار مناقشة الموضوعات المتعلقة بالاستثمار في المرحلة الراهنة والمستقبلية سيتمخض عنها الكثير من المخرجات المعرفية المهمة التي يمكن أن تسهم في إنارة طريق واضعي الإستراتيجيات الاستثمارية وبما يساعد على تحقيق الجودة. فمحاور الملتقى الثلاثة الرئيسة تتمحور حول التحول في مراكز القوى؛ والنماذج الجديدة في عالم الاستثمار؛ والابتكار وهي محاور مهمة يمكن أن تتمخض عنها تدفقات فكرية مهمة وبناء قاعدة معرفية معينة لراسمي إستراتيجية الصندوق الاستثمارية المتوافقة مع رؤية المملكة 2030.