ثامر بن فهد السعيد
اعتدنا في السعودية أن يمر الاستثمار في المملكة عبر قنوات تقليدية معلومة، لا تتحرك مع بعضها، وإنما تتحرك بشكل معاكس لبعضها؛ وهذا يسبب هجرة الأموال من قناة لأخرى. فلو انطلقنا من العام 2000م لتمكنا من تتبُّع سلوك المستثمرين في السعودية بين الأسهم والعقار من العام 2000 حتى 2006 ذروة نشاط الأسهم والتداول، ومن الانهيار العظيم إلى قريب من وقتنا الحالي ذروة نشاط القطاع العقاري. ومن تابع هذه القطاعات استطاع أن يلمس النشاط وذروته، والتغير الكبير في أسعار الأصول، والقفزات الكبيرة التي تحققت، سواء كانت في الأسهم أو في العقار.
في السنوات الخمس الأخيرة بدأنا في السعودية نشهد حراكًا نحو الاستثمار المباشر والملكيات الخاصة، وكذلك الاستثمار الجريء، وكان في وقتها هذا النشاط ملحوظًا وليس مكثفًا، وكذلك وسط النشاط الاقتصادي الكبير والإنفاق الحكومي المتواصل شهدت هذه الآلية من الاستثمار إقبالاً، ساهم في رفع تقييم عمليات تلك الشركة وحصص الشراكة بها. وفي الطرف الآخر كانت بعض المشاريع والشركات باستقطاب المستثمرين سببًا في النقلة النوعية التي شهدتها أعمالهم التجارية. تطبيق كريم كان إحدى أكثر صفقات الشراكة وضوحًا لارتباطه منذ البداية بشركات مساهمة، وساعدت آلية الإفصاح على تتبُّع ما يجري، وحجم الاهتمام.. فمن الإيمان الأول بالمشروع لمجموعة الطيار، لاستثمار الاتصالات السعودية فيه، وانتقالاً إلى استثمار المملكة القابضة فيه قصة كاملة عما يمكن أن يقدمه الاستثمار المباشر لعمليات الشركات، ولتسريع دورة النمو والأعمال فيها.
من يتابع حجم الصفقات في السنوات الأخيرة، وأيضًا تقييم تلك الصفقات، يمكنه التمييز بأن السنوات الماضية شهدت مغالاة في التقييم، وأحيانًا كثيرة عثرات كبيرة، تسببت في تعلُّق رؤوس الأموال أو تبخرها داخل مشاريع لم يكتب لها مواصلة النجاح، أو لم تمتلك خطة عمل واضحة، تستغل من خلالها هذا الاستثمار. وهذا طبيعي بسبب حداثة التجربة وأيضًا غياب الأذرع الحكومية المساعدة على تنظيم مثل هذا السوق.
اليوم، ومع كل البرامج والمبادرات التي تسعى إلى إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، فإن المساحة أكبر وأكثر اتساعًا لأن تكون صفقات الملكيات الخاصة أكثر نشاطًا وإبهارًا وتأسيسًا لنقلة نوعية لأعمال تجارية كثيرة. كان لهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة دراسة مثيرة، تشير إلى أن أكثر من 80 % من المنشآت في المملكة وفقًا للعرف تقع في التصنيف من حيث الحجم متناهي الصغر، وصغير. والقليل بين متوسط، والندرة في الكبير. مجرد هذا التصنيف يصنع فرصًا كبرى للارتقاء بنماذج أعمال إلى المرتبة التالية، لكن الذي ما زال غائبًا حتى اليوم هو نقطة اللقاء بين المستثمرين وأصحاب المشاريع؛ فلا قاعدة بيانات ولا ملتقيات ولا معارض ومنتديات إلا قليلاً، وعلى استحياء، وإن كنت أرى أن في الربط بين المستثمر وصاحب المشروع فرصة عظيمة لتنمية المشاريع, وتعزيز ريادة الأعمال, ورفع كفاءة بيئة الأعمال, وخلق وظائف، ودعم القطاع التجاري، والوصول إلى الاستدامة المرجوة في بيئة الأعمال.
لدى شركات الاستثمار والمكاتب العائلية فرصة لتسجيل حضورها، واقتناص الفرص، سواء من خلال بناء محافظ استثمارية خاصة، تهتم وتستثمر بالملكيات الخاصة، أو من خلال إنشاء صناديق، تختص بالملكيات كما فعلت شركة جدوى للاستثمار في وقت مبكر بالمقارنة مع بقية شركات الاستثمار في المملكة. عالميًّا تُنشأ وتُؤسس بشكل نشط ودائم صناديق استثمارية، تختص بالملكيات الخاصة والاستثمار الجريء بشكل دوري، لدى أعرق بيوت الاستثمار (جي بي مورجن وسيتي جروب وكريديت سويس) والعديد من شركات الاستثمار الصغيرة المتخصصة والمستقلة كما حصل مع (سناب شات) في مراحل سابقة. اليوم، ومع انطلاق صندوق الصناديق الذي أزعم أنه سيكون ذراعًا نشطة تحفز الاستثمار الجريء والملكيات الخاصة، أرى أننا قريبًا سنلمس نشاط الصفقات، وكذلك سنلمس نشاط شركات الاستثمار في تأسيس هذه الصناديق، وإتمام الصفقات، وخصوصًا في تلك القطاعات الأكثر شهرة ونشاطًا (الأغذية، الصحة، التعليم والتقنية). سيكون الاستثمار الجريء القناة الثالثة التي تنتقل إليها رؤوس الأموال جنبًا إلى جنب مع العقار والأسهم.