محمد آل الشيخ
صدر قبل أيام أمر ملكي كريم بإنشاء (مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للحديث النبوي الشريف) ومقره المدينة المنورة. وهذه الخطوة الهامة أعتبرها خطوة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فنحن كمسلمين في غاية الحاجة إليها.
الحديث الشريف استغله كثير من المتطرفين في خطابهم المتشدد، وتلاعبوا بمقاصده، والغاية التي يهدف إليها، ليجعلوا من هذا الشأن الديني الهام، الذي هو لدى المسلمين بمثابة المصدر الثاني للتشريع، وسيلة يبررون بها مقولاتهم المتطرفة. وغني عن القول إن الانتهازيين من المتأسلمين غالبا ما يُضمِّنون خطاباتهم السياسية أحاديث ينتقونها من كتب الحديث، لخدمة أجنداتهم السياسية، وتبرير غاياتهم التي يرمون إليها، وغالبا ما تكون هذه الأحاديث إما أنها جاءت في سياقات تُعالج حوادث (مُعينة)، ولا تمتد لغيرها، أو أنها أحاديث مبتسرة عن مقدماتها أو نهاياتها، تمَّ تحويل مقاصدها، وإسقاطها على مسائل لا تتفق مع ما قيلت من أجله أصلا؛ وأقرب مثال يحضرني هنا حديث (جئتكم بالذبح) الذي عادة ما يطرحه الإرهابيون لتبرير نزعتهم الدموية الشريرة للقتل، ويتجاوزون عن قصد وتعمد قوله جل شأنه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فكيف يكون الذبح رحمة؟ .. في حين أن السياق الذي جاء فيه هذا الحديث، يَجعله من حيث المعنى خاصا بحادثة إيذائه صلى الله عليه وسلم، وليس قاعدة عامة تخترق الزمان والمكان.
وفي تقديري أن إنشاء مثل هذا المجمع العلمي، إذا ما تم اختيار علماء متخصصين أكفاء في علم الحديث، ليشكّلوا مجلسه العلمي الذي نص على إنشائه الأمر الملكي، سيكون مرجعا مؤسساتيا يفصل في كثير من مواضيع هذه الأحاديث، سواء من حيث مقصد هذه الأحاديث، أو من حيث القطع بصحتها،خاصة ان الأغلبية الساحقة من الأحاديث النبوية التي وصلت إلينا من السلف، ويدور في صحتها جدل بين الفقهاء، هي (أحاديث آحاد ظنية الصحة)، وليست يقينية قطعية كالمتواتر من الأحاديث النبوية مثلا، أو طبعا كالآيات القرآنية التي هي يقينية يقينا مطلقا، لقوله جل شأنه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وقوله في القرآن (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).
والعناية بتفسير الأحاديث للناس وتوضيح مراميها تتماهى مع مواقف المملكة المعلنة لمكافحة التطرف المُفضي للإرهاب؛ بل إن هذه الخطوة تصب في نهاية المطاف في تسييج هذا المصدر التشريعي الهام من عبث العابثين وانتهازية الانتهازيين، وتصدُّ من في قلوبهم مرض، من توظيف أحاديث الرسول وسيلة لتثوير الإسلام، الأمر الذي يجعل مثل هذه المؤسسة الوليدة، والواعدة، آلية علمية لتصحيح المسار، والأخذ بيد الخطاب الديني القويم إلى الوجهة الصحيحة، بعيدا عن الغلو، ونأيا بأحاديثه وتصرفاته صلى الله عليه وسلم عن استغلال المسيسين، وأصحاب الغايات الدنيوية المشبوهة.
وبهذه المناسبة فإنني أتمنى من القائمين على هذا المجمع الاهتمام بالشأن الإعلامي اهتماما خاصا، ولا يكتفون بالطرق التقليدية في النشر، وهي التدوين المكتوب فقط، لأننا في عصر تعددت فيه وسائل الانتشار، والوصول إلى المستهدفين، من خلال التقنيات الإعلامية الحديثة؛ فمن أهداف هذا المجمع أن ينشر الوعي ويتصدى للمتطرفين تصديا علميا، بالشكل والمضمون الذي يجعل لإصدارات المجمع حضورا إعلاميا قويا و بارزا، وبأساليب مبتكرة، يتولاها متخصصون في الإعلام، ليتمكن من تحقيق أهدافه الكبرى التي أنشئ من أجلها، وهي منع المتطرفين من استغلال الحديث الشريف في دعواتهم التضليلية التي عانينا منها الأمرين في الماضي القريب.
إلى اللقاء