غسان محمد علوان
نتابع الآن عصراً جديداً من الخطاب الإعلامي الرياضي، افتقدناه وافتقدته الذائقة الأخلاقية السوية لفترة ليست بالقصيرة. فبدأت عبارات احترام الخصم وجماهيره والمؤسسة الرياضية بشتى أقسامها ولجانها تطغى على الاستنقاص والتشكيك و الاتهامات، وإن ما زالت بعض الأصوات النشاز تُفلت منها تلك العبارات التي اعتادتها لا شعورياً، ليعقبها تدارك المضطر لا المقتنع.
هي فترة تجربة مهمة جداً يجب دراستها والاستفادة منها مستقبلاً، وأخص كلامي لذلك الفكر الإعلامي الذي يتبنى أي شخص مهما كان تعليمه وأدبه ويمرر له زلاته متعذراً بأعذار ساذجة مثل: (حرية الرأي، الإثارة، المتحدث يمثّل نفسه). فحرية الرأي لم تكن في يومٍ من الأيام اتهامات وتشكيكاً ودخول في الذمم دون دليل. والإثارة إن طغت على العقل، وتجاوزت حدود الأدب والذوق العام فيطلق عليها إسفافاً وتهريجاً.
أما العذر الشهير (هو يمثّل نفسه ورأيه فقط)، فهو تلاعب على المنطق واستخفاف بعقول الجماهير. فالبرنامج عندما يستضيف لاعباً أو مدرباً أو رئيساً لأحد الأندية أو أي مسؤول خارج دائرة التحليل والنقد، فالبرنامج حينذاك يعتبر نافذة إعلامية أو منبراً للحديث عن رأي أو تعليق أو توضيح ما يمثِّله الشخص المستضاف. وبمجرد انتهاء تلك الاستضافة أو المداخلة التي فعلاً لا تمثّل البرنامج ومقدمه، تبدأ مسؤولية البرنامج عن ما يقوله المذيع أو ضيوفه مسؤولية أدبية وأخلاقية وقانونية بشكل كامل. فإن تجاوز أحد الضيوف بشكل معيب، أو كذب بشكلٍ متعمد على المتلقي، فلا يكفي تنبيهه أو تحذيره (وإن كان واجباً على مدير اللقاء) لتبرئة البرنامج من هذا التجاوز. الكلمة المسيئة أو المعلومة الكاذبة أو التشكيك في الذمم دون دليل لا يمكن السيطرة عليه في وقتها، ولكن استمرار استضافة هذا المتجاوز وتقديمه كناقد ومحلِّل هو اعتراف ضمني من البرناج ومسؤوليه، بتبني مثل هذا الطرح الهابط والمسيء.
هذا الإجبار على التحلّي بالأدب والأخلاق رأيناه في من كان يرتدي أطقم الفرق الأجنبية دعماً لها ضد ممثلي الوطن، فأصبحوا (مرغمين) على تشجيع من اعتادوا كراهيته.
وهذا الإجبار أيضاً، جعل من البعض التدقيق في البيانات الصادرة من أي جهة بحثاً عن عبارة (بتوجيه من هيئة الرياضة)، ليختلف طرحه ورأيه وحتى عباراته المنتقاة للحديث عن البيان.
هذه المناظر التي جعلت أصحابها محط السخرية والشماتة، لم تكن لتظهر لو كان أبطالها يملكون الحد الأدنى من الرقابة الذاتية المستقاة من الدين والأخلاق واحترام الذات واحترام المقام الذي وجدوا أنفسهم فيه.
لذلك ندعو جميع مقدمي ومعدي البرامج للاقتداء بعبارة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة تركي آل الشيخ عندما قال: (اللي فات ما مات). ارجعوا لتاريخ ضيوفكم، واقرأوا بدقة أي خطاب يقدّمون وأي فكر يحملون. فلا تجعلوا من الكاذبين أشخاصاً مؤثِّرين على تعاطي النشء مع الرياضة. ولا تجعلوا من المحتقنين رموزاً لأندية قامت على مبادئ أساسها شرف المنافسة، وهم لا يؤمنون بذلك إطلاقاً. فكما تم إرغام المحتقنين على بلع ألسنتهم احتراماً للذوق العام، يجب عليكم إجبار المتلقي على احترام برامجكم بتنظيفها من تلك العينات التي تنتظر فقط تغير المشهد لتعود لسابق عهدها من بذاءة وكذب وتشكيك.
اغتنموا هذا الصفو، لترتقوا بذائقة المتلقي والمشجع البسيط كما يُفترض بكم كمنارات إعلامية لا كأوكار للتعصب والاحتقان. إني لكم من الناصحين.